العمل الفني الجميل ليس - فقط - ممتعا، إنما هو أيضا مُلهم!...
نعم.. الإلهام هي الكلمة المناسبة هنا، ربما لهذا أتوقع أن يكون هذا المقال طويلا ومحتشدا، ليس فقط لأنه سيحتوي تحليلا مطولا للفيلم وإنما لأنه أيضا سيناقش قضايا طرحها الفيلم بشكل أو بآخر!
كبداية، أود أن أتساءل عن السبب الذي جعل الجميع يسمي الفيلم كفيلم رعب مصري، خصوصا أنني أعتبر الآن هذا إهانة قبيحة للفيلم، الفيلم ليس مرعبا ولا يحاول أن يكون كذلك ولا يدعي ذلك، الفيلم فيلم إثارة لا يخلو من أطروحات نفسية وخيالية.
بطلة الفيلم تجعلنا نكرهها في البداية، فهي تعامل زوجها وطفلتها بإهمال غير مبرر بالنسبة لنا، لكنها بعد أن تبدأ الأحداث تجعلنا نتعاطف معها بشدة بأداء عال من (حنان ترك) طاغية الحضور دائما وأبدا! وتبدأ الأحداث بمقتل رئيس البطلة في العمل بطريقة تشبه تماما طريقة موته التي رأتها (حنان ترك) في أحد أحلامها. وبعد عدة جرائم قتل متوافقة مع أحلامها تظن في نفسها السوء وتقتنع تماما أنها هي القاتلة!
بعد محاولات فاشلة لطرد النوم من عينيها، وبمساعدة الضابط وطبيبة نفسية نعرف أنها إحدى حالات توارد الخواطر بين البطلة وصديقتها المقربة (داليا البحيري) وينتهي الفيلم وقد أصبحت البطلة أكثر قربا من زوجها... ومن طفلتها... ومن نفسها... بل ومن الله!
القصة مثيرة، لكنها ليست البطل الحقيقي للفيلم، مصدر الإمتاع - بالنسبة لي على الأقل - كان الصورة، المخرج ومدير التصوير يستحقان فواصل كاملة من التصفيق الحار والحار جدا كتهنئة على أفضل تصوير سينمائي حصل منذ مدة في فيلم عربي، الكاميرا لا تتوقف عن إدهاشك طوال الوقت، واللقطات التي تصور (حنان ترك) في لحظات ضعفها هادئة وشاعرية، بينما تلك التي تصور لحظات القتل والعنف سريعة وخاطفة، لكنها مع ذلك تحتفظ بقدر من الهدوء والشاعرية حتى في لحظات الإثارة لتتناسب مع الجو العام للفيلم الذي يحرص كثيرا على ألا ينفلت عياره ليخرج إلى نطاق الأكشن الزاعق، وقد نجح!
الموسيقى أيضا أضافت كثيرا للعمل، ربما بسببها حافظ الفيلم على اتزانه في منطقة وسطى بين الإثارة والخيال من جهة والأكشن الصارخ من جهة أخرى، هي موسيقى هادئة جدا وحالمة جدا حتى في أكثر لحظات الحركة، أعلم أن البعض سيصفها بالبرود لكنها - الموسيقى - ميزت الفيلم فعلا!
(حنان ترك) في آخر فيلم لها بدون الحجاب (من حيث تاريخ العرض) تقدم لنا حالة من التماهي الرائع مع الشخصية، الشرود والهزال الشديد - مع ماكياج متقن - جعلنا نتعاطف مع البطلة بشدة ونحس بمعاناتها الحقيقية، والمشاهد التي تحاول فيها البطلة الإبقاء على نفسها مستيقظة (مثل ذلك المشهد التي تقرب فيه البطلة ضوء المصباح من عينيها حتى لا تنام) هي أحد أفضل المشاهد التي رأيتها في فيلم عربي منذ زمن تمثيلا وتصويرا. والمشهد الذي تحاول فيه البطلة الانتحار غرقا كان مميزا وغير مكرر.
(فتحي عبد الوهاب) لم يخيب ظني فيه أبدا، هذا الرجل لن يتوقف عن إبهاري فيما يبدو، دور الضابط العصبي الذي يعاني من سعال مزمن ويتعامل مع الجميع يتعال شديد، وتحركه رغبة في الثأر من البطلة - حبيبته السابقة التي تخلت عنه - أداه (فتحي) باقتدار يحسد عليه فعلا.
بقي أن أشير إلى بعض الخلل في الفيلم، المشهد الذي تقول فيه الطفلة لمدرستها أنها لا تحب أمها كان فجا ومباشرا ومبتذلا! والواقع أن كراهية الطفلة لأمها كان يمكن التعبير عنه بطرق أخرى، هذا بالإضافة إلى أنه كان واضحا منذ البداية ولم نكن بحاجة لهذا المشهد أصلا!
شيء آخر، هناك ارتباك في القصة، علمت - فيما بعد - أنه بسبب حذف تعسفي تعرض له الفيلم من قبل المخرج في المونتاج، مما جعل الأمور تبدو مختلة في الجزء الأخير بالذات من الفيلم حيث هناك كدمات على وجه (فتحي) لا نعرف لها سببا، وحيث (حنان) تعاني من عرج بين غير مبرر، بالإضافة إلى أسئلة مثل: كيف عرف الضابط المكان؟ وما هو المكان أصلا؟ وما هو الحريق الذي رأيناه في الفيلم؟ وكيف يجلس الأبطال في البيت بعد الحريق وكأن شيئا لم يحدث؟
غير أن كل هذا لا يمنعنا من أن نحيي الجميع على فيلم ممتع ومدهش ومثير، وفوق ذلك شاعري وحالم!
قضايا هامشية يثيرها الفيلم:
1- حنان ترك:
سأقولها بصراحة... حزنت كثيرا لأن (حنان ترك) ارتدت الحجاب، ليس لأني أكره الخير لأحد، وليس لأنني أناني كما قالها لي أحد الزملاء، وليس - بالطبع - لأني ضد الحجاب، ولكن لأني أعرف ما تفعله الفنانات المحجبات عادة، سيتحولن إلى دعاة في أفلامهن ومسلسلاتهن، والواقع إن (حنان ترك) ليست استثناء، ها قد بدأت في تصريحات عجيبة ملخصها أنها تتبرأ من كل ما قدمت من أفلام قبل الحجاب، وأنها تمتنع الآن عن حضور أي أفلام لها، ولا تحضر مهرجانات تشارك فيها بأفلام قبل الحجاب، ولا تستلم جوائز عنها، هذا غير النبرة الوعظية التي تتحدث بها دوما...
وبكل صراحة - أيضا - أنا أشعر بالحسرة وأنا أعلم أننا سنحرم من هذا الأداء الراقي (تذكر حنان ترك في "أحلى الأوقات" وتذكرها في "منتهى اللذة") لصالح أدوار نمطية تؤديها بالحجاب!
2- التبرؤ من العمل... موضة:
غير أن حنان تبرأت من العمل لأنها لم تكن محجبة، فإن مؤلفه تبرأ منه لأن الشريط السينمائي تعرض للقص والتشويه على حد قوله من قبل المخرج، وكذلك فعلت (داليا البحيري) لأن دورها خرج إلى النور بطريقة جعلتها وكأنها صديقة البطلة وحسب وليست المنفذة الحقيقية للجرائم في الفيلم!
وإذا كان تبرؤ المؤلف وحده يبدو منطقيا ومفهوما فإن تبرؤ (داليا) يبدو ساذجا جدا وعبيطا! والواقع إنني أعتقد أنه من الأولى أن يلتف الجميع حول إبداعهم المشترك بدلا من التنافس على التبرؤ منه بهذه الطريقة!
2- التغريب... المزيد منه وعنه:
معظم أفلامنا في الفترة الأخيرة تحاول أن تقدم معالجات مصرية بغلاف أمريكي، أحلام حقيقية لا يقدم حتى معالجة مصرية، إنه يسعى لتقديم صورة عالمية خالصة، حيث الشتاء البارد جدا على الطريقة الأمريكية (رعد وبرق ومطر غزير) وحيث الأبطال يتجمعون أمام الحطب للتدفئة في مدفأة المنزل!
يشفع للفيلم جودته نعم، لكن هذا لا يمنع أن نلوم عليه إسرافه في تقديم أسلوب غربي لا يشي بخصوصية المجتمع الذي تدور فيه الأحداث، ولولا بعض اللقطات لبطلة العمل وهي تصلي لظلت هوية البطلة مجهولة حتى النهاية، كما ظل مكان الأحداث غائبا عن الصورة السينمائية طوال الفيلم.
كفاية كده... طولت عليكم!
6 تعليقات:
عارف لومكنتش أتكلمت عن التغريب كنت شبعت منى نقد و" بستفة" لأن مأستنا الأن هى الأمركة وهى أكثر القضايا التى تشغل بالى أنا شخصيا لأنها غزت السينما المصرية بشكل سرطانى
ومثلا فى فيلم أحلام حقيقية شفت مكياج ماجدة الخطيب الى كان بالنص من صورة افلام الرعب الأمريكى زى فيلم "ألأخرون فين التفرد فين الخصوصية حتى فكرة توارد الخواطر شفتها فى مائة فيلم أجنبى من ألأخر الفكرة حمضت فى الغرب وأستوردناها أحنا بكل تفاصة فى مصر أم الدنيا اللى معدتها تهضم الزلط
أما عن الشكل فلا تبهر بيه فأروع أفلام عاطف الطيب وخيرى بشارة كان الواقع الشعبى هو الأساس مش الفيلل والقصور اللى تديك أنطباع أن أحنا فى لاس فيجاس مش مصر اللى 40%من ناسها تحت خط الفقر
الغريب
ولو ما كنتش علقت انت على موضوع التغريب أنا كنت شكيت ان انت اللي كاتب التعليق!
أتفق معاك في كل اللي قلته، بس احب الفت نظرك ان فيه ناس في مصر عايشة امريكاني ودول برضه من حقهم يشوفوا نفسهم في الأفلام، بس بحيث ما تبقاش مصر كلها أمريكاني! عموما احنا متفقين جدا في النقطة دي
كده هتخلينى اتفرج عليه
ده أحسن نقد قريته من فترة يا شمسي.. أحسنت والله وإن كنت أشفق عليك من المصارحة فيما يتعلق بموضوع حجاب حنان ترك.. لك مني كل التحية
سيدي ياسيدي...
ياه شغال ياباشا ابداع من الخارج .... هو انت بتكتب فين ان شاء الله ... على فكره النقد في الجول يمكن ليه بعض الملاحظات .. بس هامشية شويه...
المهم ان أظرف حاجة سمعتها منك ان الكل تبرأ من أحد أفضل الأفلام المقدمة منذ فترة.
لولا المقص الأعمى اللي نفسي أعرف مخرج أخرج فيلم بهذه الجوده "إذاي فاته العته اللي أصاب مؤخرة الفيلم" يالاااا مش مشكلة
لكن ليه تعقيب أحب أأكده بوضوح إن أول فيلم شهد كاميرا رائعة ملفته تستحق التثفيق الحار.... هي كاميرا ساندرا نشأت خصوصاً في فيلم ملاكي اسكندرية ولا لك رأي تاني؟؟!!؟
انا فعلا سمعت ان الفيلم كويس اوي
واتمني اني اتفرج عليه
ميرسي علي النقد
(:
Post a Comment