!قناة الناس: شاشة تأخذك إلى... إلى الخلف

الناس في مصر يسلمون أدمغتهم بسهولة لأي ملتح! فما بالك وهو ملتح بجلباب أبيض وغطاء رأس على الطريقة السعودية؟

بعد هذا يصبح الحديث عن "رجعية" التفكير السلفي محض "هرطقة" و"زندقة" و"تجديف" لا يغفره إلا الموت شنقا!

هكذا أصبحت للسلفية في مصر فجأة قاعدة عريضة، وأتباع ومريدون، وأصبحت لهم – صدق أو لا تصدق – قناة رسمية!

والعجيب يا سيدي أن التيار السلفي الذي لا يمل ليل نهار من إطلاق لفظة الـ"بدعة" على كل ما لم يكن موجودا أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، لا يجد أي مشكلة في استخدام الميكروفون، ومن بعده البث الفضائي ليحمل أصواتهم وصورهم إلى مواطن لم يكونوا ليبلغوها إلا بشق الأنفس.

والملاحظ في كل المذاهب السلفية – هذا يشمل الوهابية أيضا – أنها تركز على الشكل دون المضمون بشكل مستفز للغاية... حيث المهم عندهم: لحيتك وتقصير ثوبك، وعدم لبس الكرافت – لأنها تشبه زنار اليهود صدق أو لا تصدق – وحكم النامص والمتنمصة... وحكم قول كبير القضاة! (محمد بن عبد الوهاب يفرد فصلا كاملا في بيان كون "قاضي القضاة" جملة شركية تنافي كمال التوحيد).

الناس تشاهد قناة الناس، فتظن أن زي (محمد حسان) هذا هو "السنة" على اعتبار أنه الزي القادم من شبه جزيرة العرب موطن الرسول، وتشاهد قناة الناس فتشعر بالذنب وربما تستغفر الله على ارتدائها للقميص والبنطلون الإفرنجيين... الناس تشاهد قناة الناس فتظن أن مجرد مشاهدتها تضمن لك دخول الجنة... انظروا إلى أي حد تروج القناة لفكرة الدين الشكلي السهل: شاشة تأخذك إلى الجنة! منتهى السخف والاستخفاف!

ما أريد التنبيه عليه هنا ولا يفهمه السلفيون عادة، هو أن هناك فرقا بين ما كان يصنعه الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه "سنة دينية" وبين ما كان يصنعه لأنه "عادة عربية"، بين ما كان يفعله بناء على أوامر إلهية، وبين ما كان يفعله بناء على عادات اجتماعية. الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يلبس القميص والبنطلون.. ليس لأنهما "بدعة"، ولم يكن يلبس الجلباب لأنه "سنة" بل – وببساطة – لأنه ولد فوجد قومه هكذا يلبسون!

السلفية تريد أن تتجاهل قرونا طويلة عاشها البشر يطورون من أسلوب حياتهم، تريد أن تتجاهل مفردات الكون، مفردات الزمن، تتجاهل ما توصل إليه العالم من سبل مشتركة في المأكل والملبس لتعزلنا عن الجميع باسم "البدعة" تارة وباسم "التشبه بالكفار" تارة أخرى.

وكثيرا ما أتساءل وأنا أرى حولي هنا وهناك أشخاصا يرتدون جلبابا قصيرا وطاقية بيضاء أو غطاء رأس سعودي: "هل هذا ما يريده الإسلام حقا لأتباعه؟"... أم أنها الرياح الوافدة من بلاد النفط؟ البسطاء الذين سافروا إلى هناك وعادوا بأموال... وبأدمغة جديدة؟

ما دفعني لكتابة كل هذا هو أنني وجدت نفسي فجأة في منتصف دائرة من أصدقائي، ينظرون إلي باستغراب وكأنني قلت كلمة الكفر للتو، حين فاجأتهم أنني لا أشاهد قناة الناس مثلهم مطلقا، وأن أول قناة عندنا في الترتيب هي الـ MBC1.