مكاشفات شخصية (3- جمال عمارة)

GamalEmara

كنت في الصف الثاني الإعدادي وفي يوم عادي جدا حين تلقيت مكالمة من عبد الرحمن حسن صديق عمري (كانت بيننا مكالمات يومية تدوم لساعات نتحدث فيها عن كل شيء):

- احنا انضحك عينا!
- مين ضحك علينا؟!
- جمال عمارة
- جمال عمارة؟! ليه؟
- الجزء الثاني ما فيهوش حاجة عن قواعد البيانات.
- يا راجل!!… دور كويس يمكن تلاقيه هنا ولا هنا!
- بقولك مافيش، وكاتب اعتذار في المقدمة اهو.

بالرغم من ذلك حرصت على شراء الكتاب! الجزء الثاني من الكتاب الأكثر أهمية في حياتي “برمجة ويندوز بـ : فيجول بيسيك.”

في الواقع أنا لا أفهم لماذا كان يشتري لي أبي هذه الكتب وقتها… أعني حين أضع نفسي مكانه، لن أسمح أبدا لطفل في الثاني الإعدادي أن يبعثر فلوسي (ريالاتي في هذه الحالة) على كتاب يتحدث عن شيء اسمه فيجول بيسيك، ويخلو من أي إشارة لقواعد البيانات! (هذا فضلا عن كتب DOS و Windows و Word و dBase)

الأكيد أن أبي ندم كما لم يندم في حياته على أنه اشترى هذا الكتاب لي، لأنني بعد أيام من شرائي له اعتزلت الناس تقريبا، كنت أجلس بالساعات إلى الكمبيوتر وفي يدي الكتاب وأنا منهمك في شيء ما، إلى الدرجة التي جعلت السيد الوالد يكاد يبوس أصابع قدمي لأنزل الشارع وألعب الكرة مع العيال! (حد شاف قبل كده أب بيتحايل على ابنه عشان ينزل يلعب كورة!؟)

بالنسبة لبني آدم في هذا العمر، فإن جمال عمارة جعل استخدامي للكمبيوتر مختلفا وإلى الأبد، والأهم أنه فتح لي آفاقا جديدة في التعامل مع – صدق أو لا تصدق – اللغة!

في مقدمة الكتاب أذكر جيدا أن جمال عمارة قال كلاما مهما جدا عن المصطلحات، عن ترجمتها وطريقة التعامل معها، عن لماذا “فيجول بيسيك” وليس “الأساسيات المرئية” كما كانت تكتبها كل الكتب وقتها. عرفت من جمال عمارة لماذا لا ينبغي أن نترجم الواجهات للمحال التجارية، وكيف أن الأسماء تظل – كما هي – حقا لمبتكريها.

في هذا الوقت المبكر أيضا عرفت أن الترجمة ليست تحويلا قياسيا للنص، وعرفت بالحدس أن هناك مشكلة ما تواجه تعريب المصطلحات الكمبيوترية، لأن جمال عمارة كان يكتب: المشيرة، بينما يكتبها غيره: المؤشر… هذا فضلا عن مصطلحات ملتبسة أخرى: محرك الأقراص في مقابل سواقة الأقراص ومشغل الأقراص.

في هذا الوقت المبكر تغير تعاملي مع الكمبيوتر حتى هذه اللحظة: كنت منذ الصف الثاني الإعدادي وبفضل جمال عمارة، أعرف أن المؤشر الذي تستخدمه دون وعي يصدر “أحداثا” تتلقاها البرامج المختلفة وتستجيب لها، أن “نقرك” على سطح المكتب حدث، ويمكنك تلقيه واعتراضه واستخدامه كما في برنامج “المشغل السريع”، أن النافذة التي تلعب بها وتقلصها وتكبرها وتصغرها يتم التعامل معها من خلال “مقبض النافذة” hWind، وبينما كان أصدقائي الذين اقتنوا مثلي هذا الجهاز مبكرا يلعبون الفيفا، كنت أنا وعبد الرحمن حسن نتحدث عن “نداءات واجهة التطبيق” وعن “مكتبات الربط الديناميكي”!

بعد سنين تركت خلالها البرمجة نهائيا، يخبرني (عمرو) فجأة أنه سيعمل مترجما لشركة يرأسها رجل اسمه جمال عمارة… طبعا رن الاسم في دماغي، وأوصيته أن يسأل إن كان هو نفس الرجل الذي علمني الكثير.

بفضل عمرو سمحت لي فرصة أن أقابل الرجل، وأن أخبره بامتناني وتقديري، وأن أتحدث معه لأجده شخصا لطيفا جدا ذكيا جدا، ودودا للغاية، ورجعت مباشرة لأدخل في حوار مع عبد الرحمن حسن (عبر الماسينجر هذه المرة):

- حزر فزر قابلت مين النهاردة؟
- ؟!
- جمال عمارة
- بتتكلم جد
- والله العظيم
- أنا ممتن لهذا الرجل والله
- أنا قلت له كده برضه!

تحية إذن للأستاذ جمال عمارة من شابين ممتنين له، أحدهما – على الأقل – كان تلميذا نجيبا ويعمل الآن مبرمجا لقواعد البيانات!

14 تعليقات:

عمرو said...

عد الجمايل يا عم.. عد الخدمات
والنبي حد يا جماعة يجيب ورقة وقلم ويعد معاه لاحسن يغلط
:)
على فكرة أنا كنت متوقع كلام أكتر من كده بكتير. الراجل ده أستااذ والله. أعتقد إن مقالتك لم تكلم عن جمال عمارة بقد ما تكلمت عن ذكريات سعادتك وتأثيره عليك.. عموماً ده حق مشروع (عشان عارف لسانك طويل). ههههه
تعرف أنا كمان نفسي أكتب عن جمال عمارة.. بس أنا عايز أكتب عن الإنسان مش المبرمج أو المترجم, لكن وضعي في الشركة الآن هايخلي أي حاجة أكتبها شهادة مجروحة.
تسلم الأيادي يا بوحميد

أحمد الشمسي said...

يابني هو ده تحديدا اللي عايز اقوله، الكلام عن جمال عمارة لازم هياخدني للكلام عن نفسي، انت نفسك عارف انا ارتبطت بكتابه قد ايه.

من ناحية الإنسان انا ما اعرفوش قدك ياعم، وده في حد ذاته شيء يغيظ، انا اللي بقرا كتبه بقالي بتاع 10 او 15 سنة دلوقت اعرفه ع النت بس وانت يا جيل ويندوز اكس بي، بتقعد معاه كل يوم... شفت تصاريف القدر؟!

أسما said...

امممممممممم، و الله انا كل اللي اقدر اقوله هو اني عارفة اد ايه انت ممتن للاستاذ جمال، مش عشان انا اعرفه، لأ، بس عشان انا اعرف احساس النوع ده تحديدا من الامتنان... اما بقي عن الكمبيوتر ف انا ثقافتي أعلي من كدة بكتيييييييييير، بيسيك ايه و بتاع ايه، انا اكثر عبقرية من ذلك(وش واحد فشّار) هههههه

أحمد الشمسي said...

إيزولد: ما كانش فيه داعي أبدا لوش الفشار... عبقريتك في الكمبيوتر مش محل تساؤل خالص :)

أسما said...

للدرجة دي انا باين عليا اني مش عبقري؟
:(

جمال عمارة said...

أحمد..

ينفع يعني تكتب عني كلام حلو كده وما تقوليش ؟

هذا الكلام ينبئ عنك قدر ما ينبئ عني.. فهو يدل على أن لديك وعياً بالكميوتر وحساً عالياً باللغة حتى في هذا السن الصغير..

أشكرك يا ولدي على هذا الكلام الجميل.. وهذا أقصى ما يطمح كاتب أن يحصل عليه لقاء ما كتبه..

وهذا الكلام هو الذي يجعلني أندم على أن استسلمت وتوقفت..

ولكن.. أدعو الله أن ينفخ في صورتي وأعود مرة أخرى..

أشكرك يا أحمد.. وأنا أدعو لوالدك بظهر الغيب لشرائه كتابي لك.. نعم الأب..

جمال عمارة said...

عمرو..

أشكرك على أنك لفت انتباهي لهذه التدوينة الرائعة..

هذه من الحالات القليلة جداً التي تكون فيها مفيداً.. :)

جمال عمارة said...

أحمد..

صحيح.. ليه ما جبتش صاحبك عبد الرحمن معاك؟

الدعوة مفتوحة لك وله لزيارتي في أي وقت لنتبادل أطراف الحديث.. بس ابقى قولي قبلها علشان ابعت عمرو مشوار وما يقعدش ينغص علينا القعدة.. :)

أحمد الشمسي said...

أستاذ جمال: يا مرحبا!

إن شاء الله هنيجي أنا وعبد الرحمن في يوم... بس انا بقول ممكن نقعد عمرو معانا بشرط انه ما يفتحش بقه بكلمة، وده على فكرة عذاب ما بعده عذاب لعمرو :)

جمال عمارة said...

أصلاً عمرو مش ها يعرف يفتح بقه لأننا ها نتكلم في حاجات معندوش عنها أدنى فكرة..

مثلاً.. أول ما نقعد نتكلم على الـ Inter-process Communications وعلى دالة BeginInvoke..

(ولا أقولك بلاش دي أحسن كده إنت كمان ها تقعد ساكت.. )

هههههههه

أشكرك مرة أخرى على تدوينتك..

وأدعو أن يمد الله في عمري حتى أراك كاتباً وطبيباً مشهوراً مثل أحمد ناجي.. ونبقى نتحايل عليك ترد علينا .. :)

أحمد الشمسي said...

هو الظاهر ان احنا الاتنين فعلا هنقعد ساكتين، اهو نسيب حضرتك تتكلم مع عبد الرحمن حسن، واوصل انا وعمرو مشوار ونرجع لكم تاني :)

ولا اقولك، احنا نقعد عشان نستفيد منك زي ما استفدنا زمان

ربنا يخليك لنا ونتعلم منك يا أستاذنا

هبه جمال عمارة said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
يااااااااااااااااااااااااااااااه
ده انا مكنتش اعرف ان بابا ليه معجبين كتار اوى كده

والله فعلا انا مبسوطة :) :) :)
انا فعلا بشكرك يا استاذ احمد ، واستاذ عمرو السيد
وكل من شارك فى الكتابة عن بابا
(حبيبى )

أحمد الشمسي said...

أنا اللي بشكرك يا هبة... ولك الحق أن تفخري بوالدك..

سلميلنا عليه بقى :)

Heba Gamal Emara said...

يوصل ان شاء الله