كنت في أول أيامي في المستشفى حين دخل طبيب الجراحة الكبير. لم أكن أعرفه بالطبع، ولم يكن يعرفنا. سلم على الأطباء الجدد، وكنت بينهم، وقبل أن يغادر سألني عن القسم الذي أعمل به. قلت إنني في قسم جراحة المسالك، فابتسم وقال وهو يشير إلي ويكلم زملائي: “الولد ده مؤدب، ما ينفعش جراح”. عندما غادر اكتشفت أنني من بين الجميع، كنت الوحيد الذي سلم عليه واقفا.
بمرور الوقت في المستشفى تحولت جملته هذه إلى رعب شخصي لي. الجميع يقولها دون اتفاق. كان رئيس قسم المسالك يقول أحيانا عندما يلاحظ مني تصرفا فطريا: “أبوس إيدك يا شمسي روح قسم المبتسرين، انت مالكش في لبط الجراحة”. وكانت الممرضة طويلة اللسان تدخل مكتب المسالك فتشير إلى الجميع بمن فيهم رئيس القسم وتقول: “كلكم فيكم خبث الجراحين” ثم تستدرك وهي تشير إلي: “ما عدا الراجل ده”.
زاد الطين بلة، ما عرفه الناس بعد ذلك عن حبي للأدب، والكمبيوتر. فصرت بعد مدة “أديب قسم المسالك” و”مسؤول التكنولوجيا بالقسم” و”مقرر اللجنة الثقافية بأقسام الجراحة”. الآن صرت أشعر أنني مريض، مختلف، بل شاذ! شيء مثل أن تعثر على “خيارة” في علبة “شيكولاتة”، على بيت مكسور في قصيدة موزونة، أو على (Bug) في كود برمجي متقن.
للحق، الناس معذورة، أنا مبتسم في وجوه المرضى بشكل مزعج، لا أزعق في وجوههم ولا في وجوه المرافقين، أشتري الحلوى لـ (منار) الطفلة التي أجرت عملية استئصال لحصوات في الكلية وأتمشى معها أحيانا في المستشفى، أحترم جدا حق المريض في أن يعرف ماذا نفعل بجسده، لا أتطاول على الممرضات، عندي صبر غريب على بطء التمريض في طاعة الأوامر، لم أكتب يوما شكوى في حق أحد، ألبي نداء الاستقبال فورا دون تباطؤ، بل وأتعامل بتهذيب مفرط حتى مع أنسجة المريض أثناء الجراحة، إلى الدرجة التي جعلت أحد الأطباء يقول بينما أفتح جلد المريض: “ما تخلص يا شمسي، احنا بنخطط ملعب؟!”
عزيزي زائر المدونة، هل أبدو لك كجراح؟!
صرت أصاب بالاكتئاب كلما فكرت في أنني لا أصلح جراحا، على الأقل لأنني لا أتصرف مثلهم. ويزيد من اكتئابي أن تشعر أنه حتى المرضى لا يقدرون أن تتعامل معهم بلطف. أن تعرف أن المرضى الفقراء يحبون أن “يشخط” الطبيب فيهم بغلظة، فيجيبونه بالدعوات: “ربنا يعلي مقامك يا (بيه) كمان وكمان”.
المبهج أن الإنسان كائن متعلم… وأنا أتعلم فيما يبدو.
في الآونة الأخيرة بدأ الضيق يتسرب إلى نفسي.. من بطء التمريض، ومن غباء المرضى، ومن كسل عمال النظافة، وعرف الناس مؤخرا أن لدي أنا أيضا القدرة على “الشخط”، ثم بدأت تظهر النتائج.
منذ أيام، قالت لي ممرضة قسم الجراحة، التي أقدرها تماما بالمناسبة وأحترم تفكيرها ووعيها فضلا عن نشاطها وسرعتها في العمل: “على فكرة يا دكتور أحمد، انت بتتغير!”. ومنذ يومين قالت لي إحداهن بعد أن أبديت ملاحظة بريئة تماما عن أنها “اتملت حبتين”: “انت بقيت زي بتوع المسالك يا دكتور أحمد، انت جيت تحصلهم فقتهم”.
أعزائي، جراح ما بداخلي على وشك الخروج.
14 تعليقات:
انت بتبصبص للممرضات يا أحمد؟ يا وقعتك البيضة..
بتبصبص لوحدك..
طيب لما أشوفك
:)
هع هع هع
حبة جد
والله يا ابني انت كئيب وأنا حاليا باعيد تفكير في صداقتي ليك :)
شوف يا معالي الباشا.. أنا عارف وانت عارف إن فيه خصوصيات مهنية لابد من اكتسابها وإن النظام بيخلينا نطاطي ونبقى زي بقية الناس السيس.. أبس فكرك بصاحبنا ظابط الجيش اللي لسة محتفظ بأدبه وأخلاقه على الرغم من إن الشغل في الجيش معناه الشتيمة وزفارة اللسان..
انت مكبر الموضوع يا أحمد.. (عادتك ولا هاتشتريها؟) استمر زي ما انت (يعني بأدبك) لأنك انت صح..
نرجع للهزار
يا بوب انت خلاص سمعتك بقت زبالة, من أيام الدور التالت فلما تبصبص ولوحدك عديها وما تفضحش نفسك.. لأني كده ممكن أقول للست الوالدة وانت عارف إنها قارئة ومتابعة للمدونة بتاعتي هع هع هع أرجوك احتفظ بما تبقى من سمعة طيبة قدام مامتك لحسن تجوزك بالإكراه هههههههههه.. ما أنا هابقى المتضرر الوحيد من جوازك
:)
استنى نسيت كتب دي..
عزيزي صاحب المدونة
هل أبدو لك قارئاً؟ طيب ليه تكئبني بس؟ ليه
روح يا شيخ وتعالى بسرعة
:)
انت يابني
الملاحظة والله كانت بريئة
ولم نقصد بصبصة ولا يحزنون
وكل المقصود بالحكاية أن الناس بدأت تلاحظ أن هناك تغييرا يحدث
وعلى فكرة
هذا البوست ليس كئيبا على الإطلاق
أيوة فعلا,, أنا استغربت على كومنت عمرو.. أنا مش شايفة كآبة خااااالص في الموضوع.. بالعكس بقى
الراجل منشكح إنه أخيرا قرب يخرج من عباءة المؤدب /المحترم/اللي ما ينفعش جراح
حتة كده زي ما تقول .. تباهي و إن أقدر أكون زيهم و أسخم يا غجر
البوست ده يا عمرو تفاخر بالذات و إعلان لإن قلة الأدب و التناحة ممكن تُكتسب في حين إن الإنسانية و الأدب و الذوق جينات فطرية
بس أنا معرفتش غير منك إن الجراحين لازم يكونوا غير لطفاء :)
و بما إنك تقدر تكون غير لطيف و سمج.. و أثبت ده و خدت حقك من شهادات الممرضات
فقد حان الوقت للرجوع إلى إنسانيتك تااااني يا أحمد
:)
أحمد يا شمسي
مش مكتئب؟ على بابا؟ طيب أنا مش هاسيح
:)
لا مؤاخذة يا حاج أحمد
تسنيم
هو خروج الشخص من الأدب لقلة الأدب حاجة تفرح قوي كده؟ مصدوم فيكي يا تسنيم
:(
هو أنا قلت إنها حاجة تفرح يا عمرو يا سيد؟؟
أنا قلت إن انشكاحه بسبب اكتشافه قدرته على فعل الشيء الأخر اللي بعض بيعتبره أكثر حرفنة و إن عدم تواجده فيه بيقلل من شأنه, في حين إن يصعب على قليلي _ حلوة قليلي دي _ الأدب إنهم يكونوا محترمين
الراجل منشكح عشان جرب نفسه في حتة مش بتاعته و أثبت تواجد, مش أكتر
يعني هو مش مؤدب قصر ديل ,, توء إطلاقا.. ده عشان هو اختار الأدب ، و لو عايز يبقى زيهم .. هيغلبهم
و بعدين لأ مش مكتئب,, هو بس دائما متذمر
بلاش شغل البرجمة اللغوية العصبية ده يا عمرو يا سيد و سيب الواد في حاله
أحمد يا شمسي يا عزيزي الصديق.. أنت لست مكتئب و لا حاجة
:D
قال علي رأي المثل... قالك ما لقوش في الورد عيب، قالوا له يا احمر الخدّين... قطشيعة( بين قوسين، مصمصة شفايف) هع هع هع
بص بقي، اللي فوق ما ماكانش هزار و الله... تصدقني لو قلت لك انهم هيموتوا عشان مش عارفين يبقوا مؤدبين زيك، نفسهم بس ما ينفعش للاسف، هذه اشياء لا تشتري، علي رأي امل بيه دنقل... انا كنت قريت جملة في مسرحية
Doctor Faustus
بس كانت كفاءة، فاوستس ده كان عالم وصل لأعلي درجات العلم في كل المجالات و قالك عايز اعرف اللي اكتر من كدة، و قاللك اتعلم
Magic and Necromancy
المهم يعني عشان يعمل الحوار ده كان لازمن يمضي عقد مع لوسيفر( ابليس) فابليس بعت له وكيل اعماله( ميفوستوفوليس) عشان يمضي معاه العقد قام العالم فاوستس سأله( من ضمن كلام كتير يعني) هو ابليس ماله كدة في الأذية مؤذي؟! قاله ببساطة عشان ما يبقاش لوحده في النار
"It's better to have friends in woe"
او حاجة زي كدة
بس مش عيب برده ان الواحد يكتسب مهارة "قلة الادب" و يعرف امتي و فين و مع مين يستخدمها، يا كدة، يا هيبقي صيدة، و عجبي علي زمن قلة الادب فيه بقت فرض عيييييين
هو ايه اللوك لوك ده،ها؟ مش تقول لي ستوب... حاجة غريبة و الله. المهم انت يا ابني الشيكولاتاية اللي اتحطت غلط في قفص خيااااار، مش العكس... خليك زي ما انت، لان في الآخر لو انت اتغيرت هتبقي انت الخاسر الوحيد في الحدوتة كلها( زي فاوستس كدة)و برده مش هتعجب الناس و هيقولوا شوفوا، آدي يا سيدي المؤدب بقي نسخة منهم( مصمصة شفايف تاني) يا خي بلا وكسة، الناس اساسا عايزة الحرق ما بيعجبهاش العجب... قطشيعة... اما اقوم اشوف اللي عالنار بقي
:D
مش لازم على فكرة
:(
السلام عليكم
أحمد بيه الشمسى
أنا من زمان شايف فيك الشاب المثالى اللى اتحط فى المنطقه الغلط خلينا كده نسرح بفكرنا ونقول انك ما طلعتش دكتور واشتغلت مثلا فى سايبر نت وكل يوم بيعدى عليك ناس اشكال وألوان أعتقد انك هتكون بنفس ادبك وأخلاقك حتى لو حاولت قليلا انك تزعق فى ده وتفصل جهاز عيل غلس مشغل السماعات بصوت عالى
اذا اللى انت فيه ارحم من أماكن تانى كتييييير ومسيرهم يعرفوا الوحش اللى
كامن جواك
ملحوظة
انت كل يوم بتخلينى أحمد ربنا انى ما دخلتش طب ولا حتى حصلت من بعييييييييييد مجموع الطب كده الواحد ارحم يا راجل
(أحمدك يارب)
وإنسان ما بالداخل على وشك المغادرة
السلام عليكم
شوف يا شمسي
واسمحي اقولك شمسي كده في نص الكلام
انا جربت الاحساس ده
وانغمست الي حد ما في فكرة الانعتاق من ضيق المؤدبية إلي رحابة الانفلات
مش هاقولك اني اكتشفت اني الاول كنت احسن
بس انا ماعرفتش ابقي حاجة تانية
ورحابة الانفلات بكل وسعها
ضاقت بيا وخنقتني
لكن توصلت لقناعة بإن ضيق المؤدبية تقريبا نفس مقاس رحابة الانفلات
دمت زخرا لكل المؤدبين
سلام
الفرق اللي انت ملاحظه يا احمد بين الجراحين وغيرهم موجود فعلا بس لازم تضيف له الفرق بين الدكتور لما يكون في المجاني ولما يكون في ابو فلوس او لما تكون الممرضه كويسه او لما تكون كسلانه -كويسه يعني بتشتغل كويس مش مليانه "انت كنت بتبص ع ايه بالظبط ههههههههههههههههههه
وكمان لما يكون المريض فاهم او مش فاهم او فاهم وعامل نفسه مش فاهم
وانا اعتقد ان كل واحد بيروح او المفروض يروح للتخصص اللي شبهه مش عارف ازاي بس امبارح واحد نايب اطفال بيقولي انت نيابه ايه قلت له اشعه قاللي اه والله باين عليك دماغ مش عارف ايه العلاقه بين الاشعه والدماغ بس كوني دماغ دي حاجه كويسه متهيالي
انت بقي لازم تعرف انت روحت للتخصص اللي ماشي معاك ولا لا وع فكره مش هتفرق كتير عشان في الاخر كلنا في الهم اطباء
محمد عمر
:))
Post a Comment