عبيط!

627843

دخلت بصحبة الرجل ذو العمامة الخضراء، رأيته يهرول ليقبل يد مولانا الشيخ. عمي كان يقول: الشيخ مادام سمح للرجال أن يقبلوا يده ويحملوا مداسه فهو ليس شيخا!

جلست بجانب مولانا .. كان العمدة يجلس قبالتي.. صرخ في وجهي:
- سمعت ما يقوله صاحبك؟! إنه يدور في البلد يشتم مولانا!

حسنا.. الآن فجأة أصبحت صاحبا لـ(فراج) العبيط.. هو - والشهادة لله - يكلمني جيدا، ولا يفكر في التلويح لي بعصاه الغليظة.. ولم يبصق في وجهي أبدا، والظاهر أنه لن يفعل.

(فراج) جاءني منذ أيام، كان غاضبا، والجيران تساءلوا عن السبب الذي يجعل (فراج) العبيط يتجرأ ويدخل منزلي.. أنا نفسي استغربت تصرفه.. هو يكلمني في الشارع حين يراني صدفة، يحكي لي أحيانا ما يشاهده أو يسمعه في البلد هنا وهناك. بصراحة، كنت أسمعه باهتمام حتى يأتي الصغار ليضربوه بالحجارة فيبدأ في مطاردة طويلة وبصاق مستمر.

قال (فراج) إن مولانا الشيخ ليس أعمى.. كررها مرارا، وقال وهو يحاول السيطرة على انفلات لعابه -أو هكذا خيل لي- إنه شاهده يفتح عينه عن آخرها عندما ينظر إلى أعلى حيث الحريم تقف على الأسطح لتشاهد رقص الرجال وتسمع إنشاد مولانا، ثم أضاف بغضب أنه رآه يبحلق كثيرا في (سنية).

الحقيقة إنني لم آخذ كلام (فراج) على محمل الجد.. أنا أعلم أنه يحب (سنية) الخدامة.. هو أخبرني بنفسه منذ فترة.. ربما يكون أزعجه أن الشيخ توقف قليلا عندها ببصره الضعيف جدا.. فانزعج. ثم هو - على أي حال - عبيط !

قال العمدة:

- مولانا رجل كله بركة.. لم يشأ أن يعاقبه وقال كلموه بالذوق.. أخبره أن يتوقف وإلا قسما عظما لن يحدث له طيّب.

خرجت وأنا أضرب كفا بكف.. وأتساءل كيف يمكن الآن أن أجد (فراج) قبل أن يجده العمدة ويخرب بيتي وبيته، هو رجل مؤذ واجتنابه أفضل.

كان مولانا الشيخ يستعد للظهور، وقفت أراقب تجمع الناس لسماعه، وقلت ربما أسمع مع الناس قليلا وأنتظر أن يأتي (فراج).. كنت أعرف أنه سيأتي.. فهو عادة لا يترك غريمه بسهولة.

بدأ مولانا يقول والناس تهتز طربا ونشوة.. والحريم على الأسطح تصفق وتزغرد:

- يا سيّدي نظرة.. في القبة الخضرا

كررها كثيرا وهو ينظر إلى مكان ما في الأعلى.. شعرت أنه يرى جيدا لكنه يزم عينيه حين ينظر ناحيتنا.. فكرت أنه ربما يكون صحيحا ما يقوله (فراج)!

هو لم يولد عبيطا.. كان زينة عيال البلد، وأصابته عين أحدهم، فأصبح على هذا الحال منذ سنين.. لكنني لم أعامله يوما كعبيط.
فكرت إنني يمكن أن أكشف هذا الرجل أمام أهل البلد كلهم.. أنا كنت أشعر منذ زمن أنه ليس شيخا.. إنه يسمح للرجال بتقبيل يده ويتركهم يحملون له مداسه.. ثم، لماذا ينظر إلى أعلى حيث الحريم إذا كان لا يرى فعلا؟!

أخذت أركض بسرعة ناحية البيت.. بحثت عن خشبة.. وأشعلت فيها النار..
عدت إلى حيث الشيخ واقف يغني.. زعقت.. وأنا أرفع الخشبة وألوح بها:

- يا أولاد البلد يا غلابة.. هذا الرجل يستغفلكم.

الناس لم تسمع وراحت تشتمني.. العمدة صرخ بصوت عال:
- العبط مرض معد يا رجال..

شخص واحد كان ساكنا ينظر إلي في هدوء.. ينظر جيدا وأنا متأكد أنه كان يراني بعين صقر.. قبل أن يصل رجال المعلم إلي ليقيدوني.. رميت بالخشبة المشتعلة إلى حيث يقف الشيخ.. صوبتها جيدا عليه.. وتفاداها بخفة.. طار!

رحت أضحك بصوت عال وأقول:
- إنه يرى .. ألم أقل لكم.. كان يضحك عليكم.

الناس بحلقت بانبهار في مولانا الطائر.. وقبل أن يحملني رجال العمدة بعيدا.. رأيت (فراج) يصيح:
- آمنت بالله! بركاتك يا مولانا!

9 تعليقات:

تــسنيـم said...

طــار!!!!

شي الله يا مولانــا

:)

i like it soooo

عمرو said...

قال كتبها أحمد الشمسي قال
D:

hoda omran said...

قصة جميلة ، رغم ان عنوانها مش معبر عن الحالة ككل

تقبل مروري

Anonymous said...

الاعمي مش اعمي والعبيط ما طلعش عبيط حقيقه ممكن تكون واضحه جدا بس احنا بنشوف اللي عايزين نشوفه بس عشان كل واحد فينا اعمي وعبيط

تحياتي يا شمسي
محمد عمر

أسما said...

انا برده متفقة مع كل اللي قال ان العنوان بعيد عن القصة، مش في مكانه... او مباشر اوي لدرجة التصريح... و زي ما سيادتك عارف ان القاص يلمح و لا يصرح... هاقعد اشرح لكوا لحد امتي بس...هع هع هع
:D

أحمد الشمسي said...

تسنيم:
مرحبا بك في نادي المؤمنين
:)

عمرو:
استحمل الهزار هناك في مدونتك
:P

هدى:
شكرا جدا على مرورك
سعيد جدا به

محمد عمر:
ربنا يجبر بخاطرك يا بو عمر


أسما:
معلش استحملينا لغاية ما نتعلم
ده حق التلميذ على أستاذه
:)

ponpona said...

العنوان مناسب
العبيط ليس ( فرّاج ) وحدة
أرى العبط حالة عامة هنا .. لذا يبدو عنواناً مناسباً

"وتفاداها بخفة.. طار!"
سؤال : التعبير طار .. تعبير مجازي و لاّ المقصود هنا حقيقة ؟ . إذا كان مجازا فلا يعتبر هذا أحد بركات الشيخ و بالتالي لا يبرر النهاية ، و إذا كان حقيقية فهو لا يبرر البداية

ponpona said...

نسيت أقول دي : القراية ليك ممتعة على فكرة
:)

كراكيب said...

ايه ده
البلوج ده كان فين من زمان

ممممممم لفيت انا ودورت في بلوجك لما نفسي اتقطع

جامدة اوي على فكرة

وكل موضوع عايزله رد لوحده
بس انا كانت رجلي وعينيا تعبوا من كتر اللف والقراية فمكانتش طالبة كمان ايديا توجعني بقى.. ادخلك سليمة اطلع متكسحة.. لا مش موافقة انا عندي جيم بعد شوية وعايزة ابقى بصحتي

خلينا في فراج العبيط
اللي بقى شبه ناس كتير
عبيط والناس مصدقة انه عبيط وهو حالف لا يكمل دور العبط علشان العبيط الكبير يفضل شايفه عبيط واحنا اساسا عبط علشان هو في الاصل عامل عبيط

احمد..... اتبسطت جداااا اني جيتلك
اه والله

miro el niro kwaniroooo
;)