(عن المهنة النبيلة وكل هذا الهراء (2- مقدمة في الهنجمة

في ظل دخول معظم وحدات مصر الصحية ضمن نظام الدعم الفني (صحة الأسرة) سيتحول الطبيب إلى آلة كاتبة كبيرة. أطنان من الأوراق على الطبيب أن ينجزها بشكل روتيني سخيف. السيد مدير شؤون العاملين عندنا له في هذا قول مأثور: "مش مهم الدكتور يبقى مستواه كويس، بس مهم جدا يستف ورقه مضبوط!".

وهنا يأتي دور المهارة المهمة التي يجب أن يتعلمها الطبيب في مصر: الهنجمة!

والهنجمة هو اصطلاح لا يعني فقط أن يفتي الطبيب فيما يعرف وفيما لا يعرف فقط، بل أن يبدو الورق دوما سليما بغض النظر عن النتائج العلاجية.

في الواقع يفترض بالطبيب أن يتعلم "الهنجمة" خلال فترة الامتياز حيث يترك غالبا في محل مسؤولية ليمارس طبا ما أنزل الله به من سلطان مسلحا بالبلطجة والهنجمة. بلطجة تجعله يواجه المرضى المشاكسين وهنجمة تساعده في البعد عن أي مسؤولية "جنائية".

نعود إلى الوحدة الصحية...

يفترض – في وحدات الدعم الفني – أن يحصل الطبيب على حوافزه –إن حصل عليها – عن طريق حسابات تشمل التردد والتطعيم والتوعية الصحية وخلافه. بعض هذه الفئات لا يحصل الطبيب منها على حوافزه إلا إذا حقق فيها نسبة 100% بما يعني أنه لا بد له أن يطعم جميع أطفال القرية مثلا ليحصل على حوافزه عن التطعيم وهكذا.

ما العمل؟
وهذا الطبيب – يا ولداه – يكاد مرتبه لا يكفي لشراء ملابس لائقة؟! حسنا بعض "التستيف" للورق بحيث تبدو كل الأمور مضبوطة لن يضر. وبعض التزوير في نشاطات التوعية الثقافية ليس بالشيء الخطير (خصوصا أنك حتى لو حاولت أن تعمل بضمير فإن فلاحي القرية غالبا لن يهمهم حضور مؤتمرات سعادة البيه الدكتور عن إنفلونزا الطيور).

ببساطة شديدة، حتى لو حصل الطبيب على مرتب وحوافز معقولة فإنها في الغالب ستكون... غير قانونية، أو بصراحة ستكون حراما!

وفي هذا يحضرني قولان مأثوران، أحدهما لصديقي الذي قال تعليقا على هذا الأمر: "على كده لو الواحد كتب اللي بيعمله مضبوط مش هياخد حوافز ويمكن يطلع من هنا مديون!" والآخر لأستاذ في الجامعة علق تعليقا ذكيا: "لو طلعت الصحة يابني... هتخسر الدنيا والآخرة!".

(ملحوظة: كنت أنوي لهذه السلسلة أن تستمر طويلا، لكنني اكتشفت أنها تضيف إلى مخزون الكآبة وتقليب المواجع الذي أملك منه الكثير بالفعل، لذلك سأغير الموضوع)