في طريق عودتي من المدرسة أسمع كلام أمي: أمشي على الرصيف بعيدا عن عرباتهم الضخمة، أعبر بينهم بهدوء، وأتركهم يعبثون بحقيبتي حتى لو أفرغوا كل محتوياتها على الأرض.
قالت أمي إنها كانت تفعل نفس الشيء عندما كانت صغيرة، وإن الأولاد الطيبين يسمعون كلام أمهاتهم.
حين دخلت البيت، قالت أختي (ضحى) إن أمنا تبكي كثيرا بالليل هذه الأيام، لكنني ظننت أنها تخترع حكاية لكي تضربني على غفلة مني وتجعلني أجري وراءها طوال النهار.. لذا ضربتها بقوة على رأسها ذات الضفيرة.. لكنها لم تجر ورائي كالعادة، وإنما نظرت إلى الأرض بصمت وبدت وكأنها ستبكي.
وضعت حقيبتي جانبا.. ثم جريت ناحية غرفة أمي لأخبرها أنني جئت بالسلامة، لكنني فتحت الباب فسمعت صوت بكائها.. ثم عندما رأتني، احتضنتني، وشعرت بقطرات من دمعها تسقط على رأسي.. قلت: "لماذا تبكين يا أمي؟! لقد سمعت كلامك.. ابتعدت عن العربات.. ومررت بهدوء.. وتركتهم يعبثون بالحقيبة" لكن كلامي هذا زاد من حدة بكائها.
دخلت (ضحى) بعد قليل.. فاحتضنتنا أمنا بقوة أكثر، وقالت كلاما لم أسمعه منها من قبل ولم أفهم الكثير منه لكن (ضحى) كانت تهز رأسها وكأنها تفهم.
تركتنا أمي بعدها وقالت لي لأول مرة إنه يمكنني أن ألقي الحجارة مع الأولاد.
في الليل، امتلأ بيتنا بأقاربنا.. تجمع أكثرهم حول المذياع وهم يبكون..
عندما سألت خالتي عن مكان أمي.. قالت: "إنها الآن تطير بجناحين في الجنة".. بكى أبي وأعمامي كثيرا لما سألت سؤالي، لكنّ عيون الجميع لمعت حين قالت (ضحى) إنها ستركّب –حين تكبر- أجنحة لتلحق بأمي في السماء !!
6 تعليقات:
روعة
قصة بسيطة و معبرة للغاية
حقيقى انت موهوب
تشرفت بمعرفتك التى تأخرت
و أنتظر منك رد الزيارة
إلى الأمام
تحياتى
قصة جميلة حقاً..
لغة ثرية، جميلة، ومعبرة..
وفكرة شفافة..
تُجبر المرء على التوقف برهة.. للتأمل..
تحياتي لك..
ولتعبيرك الرائع..
مؤثر جدا
رقيق جدا
انا سعيد انى اتعرفت على مدونتك
أحمد هو الموضوع ده بجد ولا مجلاد قصه
لو مجرد قصه فهي فعلا أسلوبها جميل
ولو بجد طبعا ربنا يرحمها
صعبة أووي يا أحمد ومؤثرة جدا.. بس ده الطبيعي بتاعك يا عبقري
الديماجوجية الفلسطنية ككقضية مركزية للعرب
تجعل أى شخص يتعاطف مع القصة
أحييك
الغريب
Post a Comment