يد عمي - الممدودة إلي برغيف الفينو - قطعت على بصري طريقه نحو السقف.
- تاكل لقمة؟
كنت مشغولا بتساؤل لحوح: هل سيرحل حقا قبل أن أخبره؟
كان عمي قد أظهر خبرة فائقة في التعامل مع الأمر برمته. اتجه بخطوات واثقة نحو الباب الجانبي. وفتحه لينكشف الممر، ثم فرش ورق (الأهرام)، وأشار لي بيده.
بدوت وكأنني الوحيد الذي لا يعرف السر. عائلات بأكملها تتجمع هنا. في الممر المؤدي لسلم الطوارئ، تفترش (الأهرام) وتتبادل أرغفة الفينو، وأحاديث حزينة عن الموصولين بالأجهزة.
استعاد يده والرغيف، لكنه لدهشتي لم يأكل، إنما وضعه في الكيس بجانبه ومدّد جسده المنهك بجواري.
- حاول تنام شوية..
لم أكن أعرف ما يراه عمي في السقف، لكنني كنت أرى أبي. كنت أراه ضاحكا يحاول الكلام معي،يدفعني لأتكلم، لأشاركه الضحك،ويقول أشياء عن فرحته بي وبما صرت إليه، وكنت أراني متحفظا وبعيدا وقليل الكلام.
هل سيبقى كلامي حبيسا في صدري إلى الأبد؟
عامل النظافة اقتحم المكان فجأة، هو اتفاق غير معلن إذن، اتجه إلى جيراننا في مخرج الطوارئ، ومد لهم يده بورقة صغيرة.
- الدكتور بيقول هاتوا ده من الصيدلية اللي قدام المستشفى.
تمتم عمي بكلمات لم أسمعها، وارتسمت أمامي صورة الجسد الممدد، تتدلى منه الأنابيب، وتهبط إليه الأسلاك، وترتفع بشأنه الابتهالات إلى السماء... قبل أن تخفت الصور لأغرق في ظلام تسلل إلي.
هل سينطلق لساني غدا؟
صحوت على يد تهزني، ورأيت عامل النظافة من الخلف وهو يغادر المكان، وكان عمي يقول:
- مش قلت لك؟ أنا بخاف من الراجل ده.
جيراننا في مخرج الطوارئ ضربوا كفا بكف، وبعضهم ذكر الله، وأحدهم أطلق جملة مواساة عالية. بينما كنت أنا كالمنوم. أتبع عمي صامتا، غير قادر حتى على البكاء.
لم يمر وقت كبير، لا بد أن روح أبي لم تبتعد عن هنا كثيرا.
في دقائق لا أعرف كيف مرت، كنت أنا وعمي وجسد أبي الملفوف في بطانيته في فناء المستشفى.
- خليك هنا، فيه ورق لازم يخلص.
أخيرا بكيت، لكنني اكتشفت أنه قد حانت أخيرا فرصة سانحة، رفعت الغطاء ليظهر وجه أبي مشرقا، وأخبرته بكل شيء: أنني أحبه، أنني أفخر به، وأنني سأكون كما أراد دوما، وقلت بعض نكات يحبها، واستمع أبي لي باهتمام لكن جلده كان باردا، وابتسم مع أن شفته كانت زرقاء.
4 تعليقات:
إنا لله وإنا إليه راجعون
ربنا يرحم والدك وموتى المسلمين أجمعين ويحسن خاتمتنا
Sometimes we just do what we always wanted to, only when it is too late... sometimes it is not too late and, still, we miss the chance. Glad that u had a chance to do it, and happy 4 ur father's smiles :)
عدى النهار:
آميييييييين
Isolde:
Thanx!
كالعادة عمل جميل
ويبدو ان وفاة والدك مازال نبع "للأسف" أدبى غزير تستطيع ان تبدأ منه قصة فأخرى ....
العمل جميل ولكن النهاية ياشميسى لم تكن ناضجة الى حد ما كما تعودت منك وأرى أنها كانت من الممكن أن تكون أفضل من ذلك
أحييك
ياكحووووووووووووول
الغريب
Post a Comment