البداية كانت من إعلان مستفز على قنوات MBC… إعلان بلهجة جادة جدا يخبرك أن MBC Max "تمنحك فرصة أخرى لمشاهدة: جودا أكبر”. الإعلان بهذه الطريقة جعلني أشعر أنني أضيع فرصة العمر إذا لم أستغل كرم الـ MBC Max وأشاهد هذا الفيلم الهندي.
أنا في الواقع لست مغرما بالأفلام الهندية، لكن الإبهار الواضح في إعلانات الفيلم، وكونه فيلما تاريخيا جعلني أقدم على مشاهدته… على الأقل لأن القصة التاريخية لن تشتمل على أطفال يخطفون صغارا ثم يتلاقون كبارا كما يحدث دوما في الهند!
بصراحة الفيلم جعلني أومن أنه حتى الهنود يمكنهم صنع أفلام عظيمة، على الأقل على مستوى الإبهار البصري.
الفيلم يقدم رؤية تاريخية لسيرة حياة امبراطور مغولي مسلم – وطيب القلب – هو (جلال الدين محمد) الذي يأمل في بسط نفوذ المغول على الهند كلها، لكنه يصطدم ببعض المناوئين من ملوك الطوائف الهنود (إذا جازت التسمية) ويستطيع بالفعل أن يدخل بالسلم تارة وبالسيف تارة الكثير من ممالك الهند تحت طوعه مع معاملة جيدة جدا للأسرى وللملوك المهزومين!
لكن أحد ملوك “راجبوت” يقبل الدخول تحت ملك جلال الدين ويعرض عليه الزواج من ابنته، ولأن امبراطورنا – طيب القلب – يريد حقن الدماء فقد فكر أن في هذا الزواج مصلحة لشعب الهند كلها.
حسنا الآن الأميرة الراجبوتية تشترط شرطين عصيبين لإتمام الزواج: الأول ألا تجبَر على ترك ديانتها والتحول للإسلام، والثاني أن يبني الملك معبدا صغيرا في القصر لإله الأميرة الهندوسية.
ورغم إرادة الشيوخ الذين اعترضوا على هذا الزواج، ورغم جو التعصب الديني المسيطر على الكثير فقد قبل الملك الشرطين في خطوة جريئة حسب أن فيها إنقاذا لشعب الهند.
لكن الأميرة فوجئت بقرار القبول، وذهبت إلى قصر الامبراطور المغولي مرغمة تمتنع عنه وترفض تسليم جسدها، ويأخذ الفيلم منحى رومانسيا لذيذا خلال محاولات الامبراطور لاستمالة قلب أميرته الهندوسية وتعلو الأناشيد لإله الهندوس داخل قصر امبراطور المغول فتثور الأحقاد ضدهما من “المتعصبين” والموتورين فيحاولون الإيقاع بين الامبراطور والأميرة لكن الامبراطور يكتشف الحقيقة وبوحي من كلمات الأميرة الملهمة يحسن الامبراطور علاقاته مع شعبه ويلغي الضرائب المفروضة على الهندوس للحج إلى آلهتهم، فيحبه الشعب وتستسلم له الأميرة ويخلع الشعب على امبراطورهم المحبوب لقب “أكبر” فيقبله الامبراطور راضيا.
بصراحة، المتعة البصرية والموسيقية في الفيلم أهم بكثير من أي شيء آخر! استخدام مدهش للألوان والاكسسوار بطريقة تجعلك تتمنى لو تعيش في مكان يحمل كل هذه البهجة! لم يحدث أبدا أن استمتعت بكل هذا القدر من الألون الزاهية والمبهجة في فيلم سينمائي، والمعارك منفذة جيدا إلى حد كبير، على الأقل بالنسبة لبوليوود!
الأزياء في الفيلم جاءت مؤكدة على الفرق بين المغول المسلمين والهندوس، لكنها في كل الأحوال ملابس جميلة وتشي بالعظمة.
الموسيقى التي وضعها (أ.ر. رحمن) مدهشة… والأغنية الصوفية “خاجا ميري خاجا” (حبيبنا يا مولانا) التي لحنها بنفسه ستجعلك تتمنى لو كنت تعرف الأوردية لتشاركهم ترنمهم الصوفي… هذا بالإضافة إلى استعراض رئيسي يحمل اسم "عظيم-أو-شان شاهنشان” (ملكنا عظيم الشأن).
بالنسبة للحبكة القصصية، يمكننا أن نتهم الفيلم بأنه أسرف في اشتقاق قصص فرعية جلبت التشتت أكثر من التنوع، قصص فرعية سرعان ما تنتهي دون أن تضيف شيئا حقيقيا للفيلم، واهتمام بقضايا كثيرة: سياسية واجتماعية هندية جعلت الفيلم يفقد تماسكه، فيما لو ركز على القصة الرومانسية: محاولة الامبراطور كسب قلب محبوبته لخرجنا بفيلم أفضل بكثير!
هناك أيضا جزء طويل من بداية الفيلم يحكيه راو غير مبرر سينمائيا (يقوم بدوره الممثل الهندي الكبير أميتاب باتشان) وهو جزء يجعل الفيلم أقرب إلى فيلم تسجيلي تاريخي.
بقي ملاحظات (هي ليست ملاحظات في الواقع وإنما هي مصائب كبيرة) تتعلق بالدقة التاريخية: فأكبر يدعو الله وكأنه يتقرب إلى إله هندوسي! يجثو على ركبتيه ويتوجه إلى محراب مخصوص… وليس حتى في مسجد!
الشيء الأكثر خطورة هو أنه بعد بعض البحث على الإنترنت… اكتشفت أنه لا وجود لأميرة راجبوتية اسمها “جودا” في الكتابات التاريخية التي تتناول حياة “أكبر” وإنما ورد ذكر أميرة راجبوتية تزوجها أكبر وتحولت للإسلام وغيرت اسمها إلى: "مريم زاماني”.
بل وأكثر من ذلك: “أكبر” لم يكن طيبا جدا! لقد أراق الكثير من الدماء في سبيل طموحاته التوسعية وفرض الكثير من الضرائب!
صحيح أن مقدمة الفيلم تقول إن أحدا من المؤرخين ليس متأكدا على وجه اليقين من اسم الأميرة الهندوسية “التي غيرت وجه تاريخ الهند” على حسب قول مقدمة الفيلم، وصحيح أنه يقول إنه يقدم وجهة نظره فقط لما حدث وأنه “قد تكون هناك وجهات نظر أخرى”… لكن هذا كله لا يعفيه من الاتهام بأنه لوى عنق الحقيقة ليقدم فيلما عن الانسجام الإسلامي-الهندوسي في الهند.
6 تعليقات:
شوقتني أشوف الفيلم يا أحمد.. يا ابني انت مكانك مش هنا.. مكانك هناك مع النقاد السينمائيين. يا ربي أنا معجب بالنقد. ويتهيألي هايعجبني أكتر لو شفت الفيلم.. خليلي نسخة منه بقى
سلام
الهند تقدمت جداً فى مجالات كثيره منها صناعه السينما
وابقى اتفرج على زى افلام وانت تصدق
أخليلك نسخة من الفيلم ولا من النقد يا عمرو؟
:)
عموما: "الشمسي يمنحكم فرصة أخرى لمشاهدة جودا أكبر"
أستاذ محمد..
حمد الله على السلامة! أهلا بك عندنا من جديد
أنا مقتنع جدا بكلامك والله يا أستاذ محمد، مقتنع جدا ان كل البلاد بتتقدم وبتطلع لقدام... إلا احنا
و الله النقد ده ف دمك
عود احمد
:)
إيزولد..
ما انا عارف!
:)
Post a Comment