(عن المهنة النبيلة وكل هذا الهراء! (3- هات مجموع تصبح نبيلا

1992_playing_doctor

غريب أن أجد نفسي مضطرا لكتابة سلسلة مقالات لأبرهن على شيء يبدو بديهيا بالنسبة لي!

في الجزءين السابقين من هذه السلسلة تحدثت عن لماذا لا يستقيم أن نطلق على مهنة “أكل عيش” أنها نبيلة دون سائر المهن، وقلت إنني نظريا أجد أن كل المهن نبيلة طالما هي تلبي حاجات إنسانية… وبديهي أن الحاجات الإنسانية طالما هي في إطارها الصحيح، فإنها نبيلة بالضرورة!

سأتحدث الآن عن الأطباء بوصفهم “نبلاء”.. وأراجع تاريخ الطب لأعرف أن المهنة اكتسبت نبلا نسبيا عندما كان يمارسها نبلاء بالفعل، منذ أبوقراط ومرورا بالأطباء العرب ثم أطباء العصر الحديث الذين لم يتكسبوا من الطب بقدر ما أضافوا إليه لصالح البشرية، وكدليل على هذا فإننا ننظر إلى قسم أبوقراط باعتباره المثال الأعلى للبرهنة على كون هذه المهنة تتمتع بنبل تاريخي.

الآن… أقول بضمير مستريح للغاية أن هذه المهنة أصبحت ملاذا للنصابين والطامعين في “الكسب السريع”.. (فاكرينه؟ اللي كان بيودي الناس خلف الأسوار!)، ببساطة لأنه لا شيء يحكم الآن دخول أحدهم إلى كلية “الكسب السريع” المسماة بكلية الطب إلا مجموع الثانوية العامة، النظام الأهبل الذي يضع الناس غير المناسبين في الأماكن المهمة!

أقول هذا وأنا أعي تماما أنني طبيب (حتى هذه اللحظة)، بل أقول هذا لأنني طبيب. أعرف تماما أن هناك أطباء قدموا للتو من بيئات قروية فقيرة جدا، ودخلوا كلية الطب التي سمعوا أنها تعطي لمن فيها وضعا ومالا، ثم اكتشفوا أن المسألة ليست كما تصوروا، فراحوا يلعبون بذيولهم في كل اتجاه للحصول على السبوبة.

أعرف أطباء يحصلون على أمبولات من الاستقبال ليبيعوها للصيدليات، وأعرف أطباء في التأمين الصحي يبيعون الإجازات لمن يرغب، وأعرف أطباء يجرون عمليات جراحية غير مطلوبة طبيا لمريض قد يشفى بجرعة واحدة من العقاقير، وأعرف أطباء يجرون عمليات ختان بشعة للإناث تصل حد استئصال الأعضاء لمجرد أنهم يعملون بمبدأ “ريـّح الزبون” أو بمبدأ “الجمهور عايز كده”!

ما يحدث الآن هو “بيزنس”… هذا هو التوصيف الوحيد المقبول لمهنة الطب! أكرر “مهنة” الطب! هو مجرد مشروع مربح للتجارة… ولا يعيبه أبدا أن هذه التجارة تقوم على سلعة حيوية هي “الصحة”.

ما أريد أن أؤكد عليه هنا حتى لا يغضب الأطباء، أن هذا ليس قدحا في المهنة، صدق أو لا تصدق، ما أقوله هنا هو لصالح المهنة ولصالح الأطباء ولصالح المرضى في وقت واحد.

كنت عند أحد الأطباء في عيادته الخاصة يوما، وسمعت بعض المرضى يدخلون في حوار أثار استفزازي:

- طيب لما هو عنده الزحمة دي، بيشتغل ليه 3 أيام بس في الأسبوع؟!

- كتر فلوس بعيد عنك!

- بيحوش على قلبه! ولو فيه حد غلبان دخل له هيسيبله الكشف؟! لا وحياتك مش هيسيبله الكشف.

حوار كهذا لن يحدث أبدا إذا تعامل المرضى مع الخدمة المقدمة لهم بوصفها “تجارة” وليس “مهنة نبيلة”… هم ينتظرون ملاكا للرحمة، بينما هو في الواقع مدير لمشروع تجاري من حقه أن يجعله مغلقا طوال الأسبوع لو شاء، ومن حقه أن يكتب لافتة على بابه تقول: “الغلابة يمتنعون”، أو حتى “الشكك ممنوع”!

يحضرني الآن تصريح مهم لطبيب زميل كان يقول إنه لا أحد يعود لبيته بعد الساعة الثانية ليلا إلا الحرامي أو “الرقاصة”. قلت بدهشة: “طيب ما الدكتور بيروح بعد الساعة 2 والممرضة بتروح بعد الساعة 2”. فأجاب بلهجة عفوية وجادة تماما: “طب ما هو الدكتور حرامي والممرضة رقاصة”!

8 تعليقات:

Unknown said...

اولا الله ينور

ثانيا من رايي المتواضع جدا ان اللى انت بتحكى فيه سببه اننا كلنا بنلعب على بعض...يعنى المرضى اللى كانوا بيتكلموا فى العيادة اعتقد ان معظمهم ومش- بعمم والله -عندهم استعداد يستقطعوا الدكتور والدكتور عنده استعداد يستقطعهم ...معنى الاستقطاع ان كل واحد ياخد من التانى على قد ما يقدر...لو يقدروا يكشفوا ببلاش هيعملوها وبالمثل هو لو طال ياخد ضعف تمن الكشف هيعملها

ليه بقى احنا بنستقطع بعض؟؟؟ عشان بطلنا نفكر كبشر من زمااااااان خلاص كل واحد فينا بقى مكنة والمكنة مش مطلوب منها تحس او تشعر او تفكر اطلاقا دة مش واجب المكنة دة واجب البشر واحنا مش بشر..هى كدة دايرة مفرغة متعرفش مين الاول البيضة وللا الفرخة

عايزة اقولك حاجة اضافة صغنتوتة للحوارات اللى بتحصل جوة العيادة..لو دكتور كشفه رخيص اقسم ان فى ناس مش بيروحوا عنده عشان الكشف الرخيص معناه عدم الكفاءة بشكل او اخر.....بس كدة

طولت عليك انا بس مش مهم براحتى يعنى

سلام

عمرو said...

أهلا أحمد
أولا ما يحدث في مهنة الطب هو ما يحدث في سائر المهن في البلد. لقد فسد الناس واستشرى البلاء, والمصيبة ليست مصيبة الطب وحدها.
ثانياً, الطب مربح جداً, ولا يجب أن ننفي عنه هذه الصفة, لكنه يعطي للبعض ويمنع آخرين. أنا اكتشفت اليوم أنني أتقاضى ضعف مرتب زميل لي أقدم مني وأربعة أضعاف العامل الذي يقضي معي نفس عدد الساعات في العمل. مع هذا فأنا غير راض عن الراتب ولا أعتبر أنه الكثير من المال. هي غريزة في الإنسان إذاً. الحاجة حين تشبع تسكت ثم تعاود حاجة أكبر منها الإطلال بوجهها القبيح.
أحمد أغاظني كلامك أكثر مما أفرحني. الطب ليس بهذا السوء. أنت تركز فقط على الجانب الفارغ من الكوب. وللأمان فالجانب الفارغ أكبر من الآخر الممتلئ. لكن هناك الكثير من الشرفاء في البلد. وأنا واثق أنك تعرف بعضهم.
آمل ألا تدعك هذه الأفكار تفكر في أنك ضحية نظام سيء. فهذا أول خطوة نحو الانخراط في هذا النظام

إنجي
على فكرة ما قلتيه ينطبق أيضاً على كل شيء آخر. أقرأ هذا كثيرا في كتب المبيعات. فإذا ما كانت السلعة أرخص من غيرها من السلع المماثلة, نظر إليها العميل على أن بها "إن" ولا أعرف لماذا.

دمتما
ياللا بقى كفاياكم كده النهاردة

أسما said...

علي رأي جاهين، الله يرحمه، و عجبي!!! ما تتعبش نفسك، طنّش... كل المهن ف البلد دي بقت فاسدة و حمضانة زي كدة الطبيخ البايت و ما عادش في مهنة نبيلة أصلا، لا ف الطب و لا ف غيره، سيبك انت، مفيش أنبل من البطالة، علي الأقل معروف ان الإيد البطالة نجسة، و الالتزام ب ده في حد ذاته نبالة، لكن الإيد اللي شغّالة نجسة ليييييه؟!!!1

Unknown said...

انا جاية ادعوك تانى عشان تقرا وتقولى رايك

وبرضو مستنية راى صادق جدا

nor said...

لقد فسد الناس واستشرى البلاء,

أنك ضحية نظام سيء. فهذا أول خطوة نحو الانخراط في هذا النظام

الحج السعيد عمرو ... يااخي بدأت تنافسني في الكلام المفتاحي...
ايه ده درر

وبعدين ايه حكايتك يا شمسي انت هتلم علينا الناي ولا ايه"lol" كفايه

انا معاك ان هناك من المصائب ما لا يعلمه أحد ولم تذكر حتى بعضه ولكن هناك ايضا ذلك الجزء الذي يتبقى بعد الشربة الأولى من الكوب وربما يق قليلاً مع توالي الشاربين

موضوع مقتول الحكي والرد رجاءاً لا تجترو الحكي إلا اذا وجدتم حلاً

n said...

فكرتنى بيوم اخدت اختى الاصغر منى لدكتور مشهور..كانت عندها حمى تيفوديه..اخواتى خافوا من العدوى سابونى انا وهى نروح لوحدنا للدكتور اللى بعد عذاب وزحمه واختى بتتقطع قدامى مش قادره اعملها حاجه..اخيرا دخلنى وكشفنا ولقيته محولنى لمستشفى اخر الدنيا اركبلها محاليل والددنيا رمضان وامى بيغلى قلبها علينا ف البيت وهى كمان مريضه..وانا مقسومه بينها وبين اختى..واروح المستشفى ..عذاب جديد وركنه واهمال..اختى بتتوجع الحقوها..يقولولى مش فاضيين..ارجوكم..يقولوا مروحتيش ليه للدكتور بيركب محاليل..وفين وفين لحقت اختى وركبنالها محاليل..وفضلت واقفه على رجلى جمب سريرها 3ساعات..خايفه اقعد على السرير اخبط فى دراعها ولا رجلها تتحرك المحاليل..وطبعا مفيش ولا كرسى..وده كان سبب قوى لكرهى للدكاتره عمى

نور said...

lماذا لو..وضع الاطباء قاعده عامه امامهم ان يشعروا بالام المرضى2..ان يتصوروا ولو للحظه انهم مكان هؤلاء المرضى..الانهم اطباء اذن فالمرض ابعد ما يكون عنهم؟3ماذا لو تذكروا للحظه انه كما تدين تدان..وان كل شىء يسير دقه بدقه..وان زدت لزاد السقا..؟الا احباء لهم ؟الا من اخوه؟اين الله فى دنياهم؟هل تذكروه لحظه..كثيرون كثيرون يرون فى مهنة الطب منجم ذهب..فهل تراهم يأخذونه بالحلال؟

سؤال said...

نبيلة؟!! طيب اسمع دي:
عملت لفترة في صيدلية تبيع الايفانول بكثافة و لمن لا يعرفه فهو اقراص لعلاج بعض امراض الصدر لكن له استخدامات احخري في عمل مزاج للسادة المواطنين الغير قادرين علي شراء الترامادول خصوصا انه متوفر فهو لا يتبع ادوية الجدول , المهم عندما عملت بالصيدلية اخذت قرار ثوري بمنع بيعه و اشتبكت في خناقة مع الassistant
التي اشتكت لصاحب الصيدلية و هو طبيب بشري بالمناسبة , و عندما اخبرته بقراري ثار و كانت حجته ان هذا العقار لايتبع ادوية الجدول و بالنص: "و احنا مالنا ما يضربوه"
قال نبيلة قال نبيلة السيد