الإله محتاج دليل؟

حسنا… من الصعب أن تورد عملا ليوسف شاهين دون أن تجد نفسك مضطرا لكتابة مقدمة عن الرجل.

لا يجب أن يعجبك شغل يوسف شاهين، لكن في نفس الوقت لا تملك أن تقول إنه مخرج “أي كلام”! تماما كما لا يستطيع محبو (فيروز) أن يقولوا إن (أم كلثوم) لا تفهم في الغناء… نحن لا نتكلم عن الآراء هنا، نحن نتكلم عن الحقائق!

مشكلة يوسف شاهين أنه اتجه للذاتية المفرطة في معظم أعماله، فخرجت بعيدة عن المألوف، وفي ظل استسهال الناس، صار أحدهم يدخل فيلما مفهوما جدا لشاهين، ومع ذلك يخرج منه راسما نفس علامات العبط الموحدة، ويقول إنه لم يفهم شيئا.

(شاهين) يفكر كثيرا في الفيلم، يشتغل على العقل أكثر من اللازم أحيانا، لكنني وقفت مبهورا أمام مواقع التصوير في فيلم (المهاجر) ووقعت أسير زوايا التصوير والرؤية العميقة لسيرة ابن رشد في (المصير).

كل هذه كانت مقدمة…

الفيديو من فيلم (اسكندرية كمان وكمان) ثاني أجزاء سلسلة حديث شاهين عن نفسه، التي بدأها بـ (اسكندرية ليه) وختمها بـ (اسكندرية نيويورك).

كنبذة قصيرة عن أجواء الفيلم التي هي سر تميز هذا الأوبريت، نقول إن الفيلم يحكي عن مخرج متحمس جدا لممثل بعينه (عمرو عبد الجليل) إلى الدرجة التي تجعله يريد أن يسند له دور (الإسكندر الأكبر) في فيلم مهم. المشكلة أن كاتب السيناريو والممثلين جميعا لا يريدون هذا الممثل بطلا. في أحداث موازية يعتصم فنانو مصر (احشر هنا كل الأسماء التي ترد في خيالك بدءا من يسرا وحتى محمد هنيدي) في نقابة الممثلين احتجاجا على قرارات تمسهم.

وعند النقطة التي يتصاعد فيها الغضب، غضب الممثلين من المخرج الديكتاتور، وغضب المعتصمين في النقابة من القرارات الحكومية الظالمة، وغضب المصريين في سيناريو الفيلم التخيلي من الإسكندر الأكبر الذي يريد أن ينصب نفسه إلها مكان معبودهم (آمون) يبدأ الأوبريت.

الأوبريت مكتوب بشكل مذهل، يجمع كل صور القهر المختلفة في الفيلم ويربط بينها في خفة ظل واضحة:

“لو إله طيب حنون..
قل له ينظر للغلابة.
- غلابة؟
يصدر الأمر بقانون،
يرحم الناس في النقابة
- نقابة؟

انت مزقوق، وانت قابض، وانتو أقلية حقيرة!”

في الأوبريت إسقاطات لا تخفى على أحد، الكهنة – كهنة آمون بالأمس – أصبحوا كهنة للإله الجديد، لأن “ده أبوه كان الإله”، والأمن المركزي المقدوني في انتظار المعترضين:

“أما انت يا زعيم يا خطابي
كل شوية عاملي نيابي
وحياة شرفك – انت وقرفك -
راح احطك في كلبش حديد
ادخل هاتهم صنف نماردة
ما يجوش إلا بضرب الفردة”

الغريب حقا وسط كل هذا هو المخرج. مشكلته أنه مخدوع،  لا يرى العيوب التي تشير إليها كل الناس، لا يرى أنه “شكله مخستك، شعره مكركت” لا يرى “ألفاظه الرذيلة” ولا “عينه الزايغة” ولا يرى أنه - ببساطة – أهبل، لا يصلح أبدا كإله/بطل.

هذا الأوبريت يظهر مقدرة المخرج (يوسف شاهين) وبراعة مدير التصوير، المشاهد معظمها يظهر فيها الإله الجديد في إحدى الزوايا يمارس العبط، يقف كالمتفرج. بينما الكهنة يمارسون سطوتهم، و المشاهد فيها حركة سريعة للكاميرا تناسب الجو المشحون، وتصوير من زوايا مختلفة يبرز الخلفية ويجعلها تقفز لبؤرة الاهتمام.

وبرغم كل شيء فإن النهاية متفائلة، الإله يعود لحجمه الطبيعي وهو يحاول إنقاذ نفسه من الغرق، وبعد أن غرق الكهنة والأنصار، صحوة المخرج المخدوع تبدأ بطرح الأسئلة.

7 تعليقات:

أسما said...

امممممم... انا عندي ليك اقتراح، سيبك من الطب خاااالص و خليك في النقد، اسمع كلامي هتكسب
:)

انا ما اعرفش ايوتها حاجة عن شاهين، و لا حاولت اعرف قبل كدة، كبرت وسط جو بيقول شاهين متخلف، شاهين حمار، شاهين ما يعرفش يعني ايه سينما... لكن انا فاكرة تعليق د/ نادية سليمان و انا في التمهيدي لما قالت ان الناس بتقول علي شاهين ما بيفهمش عشان هو بيفكر و هما مش عايزين يفكروا، عايزين يتفرجوا و ياخدوا حاجة واضحة من غير تعب... انا ما اعرفش، بس بيتهيأ لي جه وقت اني ادور وراه و افهم هو كان بيعمل ايه، خصوصا ان ليه افلام حلوة فعلا، زي المصير، و التاني ده بتاع حنان ترك و هاني سلامةو بلبلة( نبيلة عبيد يعني) و القديم ده كمان بتاع هند رستم، باب الحديد باين؟ (مش باقولك لازم احقد عليك، انا حتي اسامي الافلام مش فاكراها، اوففففففف)

بس انا عجبني الربط اللي انت اخدت بالك منه بين عمل فني و بين واقع بلد، و حلو اوي تعبير عساكر الامن المركزي المقدوني ده، يعني فيه كدة توليفة بين التاريخ و فيلم شاهين و حال بلدنا، ما هما كلهم شبه بعض في الآخر، انا باعز الربط بين التفاصيل زي عينيا، اي و الله

و خدت بالي كمان من الجملة اللي انت كنت كاتبها في فيس بوك قبل كدة، و اللي انا ما فهمتهاش وقتها، بس هنا هي في مكانها تمام جوة الفيلم
" حد ينكر معجزاته وإنجازاته؟/ رقاصينه ورقاصاته؟/ ده حكيم حتى ف كلامه/ شفتوا إعجازه وسلامه؟"

استمر استمر... فيك امل كبير يا ابني، عفارم عليك
:)

عمرو said...

تعرف يا أحمد
أنا عاذر الناس, جو الترميز العالي اللي بيعمله شاهين في أفلامه مرهق فعلا, يعني انت عشان تكتب تدوينة زي دي لازم تشوف الأوبريت ده مرة واتنين واحتمال تلاتة. أقصد أقول إن النوع ده من الفن بيحتاج بروسيسينج عالي, ومش كل الناس عندها ده وما ينفعش نتصور إن فيه أمة هايبقى فيها نسبة كبيرة من الناس كده
كام واحد في مصر يقدر يشيل وزن أكتر من مية كيلو؟ الترميز العالي برضه محتاج قدرة على المتابعة والفهم.. غير إن الإمتاع في الأعمال دي بيبقى امتاع عقلي وده الشعب عندنا ما يعرفش عنه أي حاجة ولا يعرف إن العقل ممكن يستمتع زي أي حاجة في الجسم.
على العموم أنا باضم صوتي لصوت إيزولد ومستنيك تبقى ناقد كبير
:)

أحمد الشمسي said...

إيزولد

د. نادية سليمان دي ممتازة. بس على فكرة الفنهدفه الأساسي الترفيه، كون ان واحد مختلف بيعمل حاجة مختلفة فده مش معناه ان الناس غلطانة. في كل بلاد الله الفن هدفه الترفيه لكن فيه ناس بتعمل شغل مختلف عقلاني ومش ضروري كل الناس تستمتع بيه.

"بتاع حنان ترك"؟!... ده اسمه الآخر يا فندم.

لكن انتي رأيك أنفع يعني :)

أحمد الشمسي said...

عمرو
تعليقك منتاااااز. أحييك عليك

ponpona said...

طيب انا كتبت كومنت وبعدين اتمسح :(

ponpona said...

أهلا يا أحمد

عارف ،انا شايفه ان مشكلة يوسيف شاهين نقطتين :
اولا انه قرر يفكر
ثانيا انه قرر يبقي مختلف

ولأن احنا في مجتمع ببساطه مايعرفش ازاي يتقبل الآخر باختلافه عنه ، مجتمع بيقسم الناس لأتنين كاتيجوري ياإما معايا ياإما ضدي!! وباعتبار الفكره السائده بان انا علطول الصح فبيتم معامله الآخر علي انه غلط ومن ثم لا يمكن تقبله بحال من الأحوال . ودا اللي حصل مع شاهين واللي بيحصل كل يوم مع حد قرر انه يكون مش زي الباقين لانه له دماغ وفكر مستقل عنهم،

"لا يجب أن يعجبك شغل يوسف شاهين، لكن في نفس الوقت لا تملك أن تقول إنه مخرج “أي كلام”!"

بالظبط كده .. بس دا للأسف مابسيحصلش
احنا عندنا بيعاملوا المختلف علي اساس انه منشق عن القبيله !! ..

ماحدش بيدي نفسه مساحه ولو حتي صغيره ان يفكر طيبب هو الحد دا بيعمل كده ليه؟ ماهو أكيد عنده اسباب حقيقيه .. ودا يرجعنا تاني لنقطة التفكير ، يا احمد ماحدش بقي عنده استعداد يفكر في حاجه ، او حتي يدي الناس من وقته شويه عشان يفهمهم . فابتكون النتيجه نظره سطحيه للأمور وبالتالي بردو حكم سطحي في الغالب بعيد جدا عن الحقيقه والوسيله الاسهل بتكون انك تقسم الناس دا تبعتي ومعايا ودا لأ

فبالتالي محدش هايتعب نفسه ويقعد يفكر
ايه اللي الفيلم دا بيقوله وايه الهدف من وراه

طيب اقولك علي حاجه
انا سمعت حد بيقول ان المعيار الاساسي باتاعه في انه يدخل فيلم انه يكون "فيلم عبيط كده وفكرته هبله "" والله يا احمد سمعتها بوداني بالحرف كده والمبرر انه" مش ناقصه كمان ادخل فيلم يقعد يلف ويدور و يصدعلي دماغي .. "

بس كده
زي ماعمرو قال
الامتاع ممكن يبقي عقلي ... بس تجيب ناس منين بقي تفهم كده

انا بقي باقولك ... خليك في الطب
هو يقرف اي نعم .. بس عارف علطول في فرصه ان الحاجات تتصلح

حاجه تانية
اوعي تبطل كتابه ابدا

أسما said...

انت فين يا دكتووووووووووور... ايه الحكاية؟ و لا بتكتب و لا بتزور حد و لا ليك نشاط حديث علي فيس بوك... يا رب تكون بخير و كله تمام
:)