خمسة أسباب لكراهية المستشفى

hospital

1- ما أن تغادرها حتى تكتشف أنك مضطر للعودة إليها من جديد

للمستشفى – كمحل عمل – طبيعة خاصة. هي ببساطة تعمل لأربع وعشرين ساعة في اليوم. هذا يعني أن قريبا لك، أو مريضا استطاع الوصول لهاتفك (خصوصا إذا استلطفك لسبب ما)، أو ممرضة تظنك نوبتجي اليوم… كل هؤلاء يمكنهم استدعاؤك ثانية للمستشفى في أي وقت.

كنت قد دخلت البيت للتو حين رن هاتفي المحمول (الذي أفكر جديا في كسره)، اكتشفت أنه جار لزوج خالتي، سأل الرجل:

- انت فين يا دكتور أحمد؟
- أنا في البيت… لسه داخل حالا (تقرأ: ما تستعبطش وتنزلني تاني)
- طيب أنا في المستشفى (تقرأ: أنا عامل عبيط، انزل دلوقت حالا)

هذا الرجل تحديدا، كلمته بطريقة حسبتها فظة قليلا بعدها، فوجدت نفسي أقول له – بعدما نزلت من فوري متوجها إلى المستشفى – بلهجة اعتذارية:

- أنا يمكن كلمتك وحش حبتين بس ده لأن خمسة قبلك اتصلوا بيا وأنا كنت لسه راجع (حدث بالفعل).

حينها رفع الرجل كتفيه، ومط شفتيه، وفرد كفيه للخارج، وقال جملة تصلح لمعايرتي:

- قدرك كده! (تقرأ: ما تحاولش، مش هتصعب عليا).

blood_cells

2- تمنحك فرصة جيدة لاكتشاف قيم متميزة في المصريين… بر الوالدين كنموذج

كان الرجل العجوز – العجوز جدا في الواقع – قد وصل إلى المستشفى بنزيف فظيع لا يتوقف. السيطرة على النزيف كانت مهمتنا الأولى. كان أبناؤه – ثلاثة رجال أشداء – يبدون قلقا حقيقيا حيال والدهم خلال هذه المرحلة.

بعد السيطرة على النزيف، كنا نحتاج إلى أكياس من الدم لتعويض الأنيميا، ولتعويض الصفائح الدموية، وعوامل التجلط المختلفة (كان المريض يعاني نقصها وكان هذا أحد أسباب النزيف).

توجهت إلى العمالقة الثلاثة:

- الوالد الحمد لله بقى كويس، احنا بس محتاجين دم، ممكن حد يتبرع في بنك الدم الإقليمي، وهيدوكم أكياس مكانها من الفصيلة المطلوبة.

كان مشهدا لا ينسى هذا الذي حصل بعد ذلك: الابن الأكبر (الضلفة الكبرى فيهم) تذكر مشوارا مهما فجأة، والثاني قال إنه ليس ابنه.

الثالث انتابه دوار مفاجئ وأخذ يترنح – باتجاه باب المستشفى – وهو يصرخ:

- قلبي! قلبي!

crying-woman-small

3- توفر لك سببا للضحك حين تسمع مشيرة خطاب متحدثة عن حقوق المرأة المصرية

كنا في مرحلة الامتياز لم نزل. كنا نفرح بأي حالة ولادة تأتي، خلال فترة تدريب النساء والتوليد. أتت سيدة إلى المستشفى وهي تعاني آلام الولادة. كان زوجها – رجل متجهم عريض – ينظر بتحفز رهيب  محاولا استكشاف ما يجري خلف باب كشك الولادة.

اكتشفنا شيئا مختلفا بخصوص هذه السيدة بعد أن خرج المولود للنور. كانت تعاني من ورم خبيث، أجرت له عملية جراحية تشوهت معها أعضاؤها الأنثوية تماما. أخذت تبكي عندما تذكرت الأمر ، هكذا ظننت.

- احمدي ربنا يا ستي، اهو ربنا شفاكي.

لكن أحد زملائنا اكتشف فيما يبدو السبب، سألها عن عدد أولادها، قالت إن لديها خمسة بنات.

- وطبعا اللوح اللي بره حالف يطلقك لو جبتي السادسة!

بكت بحرقة. بكت بكاء لم أر مثله في حياتي. ما زلت أشعر بالوخز في قلبي كلما تذكرت هذا البكاء.

عن أي مرأة تتحدث مشيرة خطاب؟ عن المرأة الحالية، الأم التي أصيبت بالسرطان وزوجها مازال يحلم بالولد؟ عن المرأة المستقبلية، البنات الخمسة اللاتي ينتظرهن غالبا مصير مظلم كمصير الأم البائسة؟ أم عن البنت السادسة، التي خرجت إلى النور… ميتة؟

product-enlarged

4- تدفعك للبحث عن مصادر متجددة للطاقة

لسبب ما تصلني الأخبار متأخرا. أنا لا أعرف لماذا لكنني اكتشفت هذا مع مرور الوقت. لست كبعض الأصدقاء ممن تصلهم الشاردة والواردة بانتظام، أعرف الأخبار بالصدفة، وأتمنى أنني لم أعرف.

ربما لهذا تطوع الزميل العزيز:

-  انت طبعا ما تعرفش آخر كواليس المستشفى يا شمسي.
- لا
- طيب اسمع… مش الواد “…” اتشاف بيبوس البنت “…” في الاستقبال امبارح
- يا اخي حرام عليك! “…” مؤدب ومهذب وخلوق جدا
- مزبوط… بس البني آدم مننا “طاقة”… الراجل طاقته خلصت، يعمل ايه يعني؟

في خلال الفترة الماضية، تكررت هذه الحالات فيما عرف بـ" “متلازمة انخفاض الطاقة”. أعراض هذه الحالة تجاوزت عند البعض حد القبلات البريئة بقليل أو بكثير كل حسب طاقته.

depressed

5- تدفعك – شهريا – للتساؤل عن كيف يمكن أن تكمل الحياة في هذا البلد

يحدث هذا يوم صرف المرتب. تصور الضغط العصبي الذي يضعك فيه استلام 350 لحلوحا كل شهر. ثم تتذكر بالتبعية أنك تدفع آلاف الجنيهات في الماجستير، وأنك تتعب هنا كما لا يتعب أي موظف في أي مكان آخر، وأن الوزارة تفكر في اعتماد قانون جديد لتدريب الأطباء تدفع أنت فلوسه، وأن عليك أن تفكر جديا في الزواج على اعتبار أن العمر يجري وأن والوقت – والطاقة – لا يستحدثان من عدم!

هذا أيضا يذكرك بأن ترقيك إلى أخصائي سيخصم من دخلك الشهري على عكس كل موظفي الدنيا. فأنت غالبا لن تقبض بدل نوبتجيات كالذي تصرفه وأنت طبيب مقيم، وزيادة المرتب الهزيلة عند الترقية لأخصائي لن تعوض هذا النقص.

سيدفعك هذا للتفكير في أن زميلك في الإعدادية الذي واتاه ما يكفي من الحظ وحصل على دبلوم التجارة مثلا وعين في شركة الكهرباء يقبض الضعف تقريبا، دون عناء الدراسة والتحضير والتدريب المستمر وعناء الشغل غير الإنساني الذي يفترض فيه أن يقدم خدمات “إنسانية”.

كل هذه الأفكار تتناوب الاعتداء على عقلك مرة كل شهر، وقد تكون محظوظا إذا تسببت في انتقالك من هذا البلد نهائيا بحادث سير في طريق العودة إلى البيت.

23 تعليقات:

تــسنيـم said...

رغم إن البوست دعوة قوية للتقوقز..
بس أنا بضحك

و بجد بعتذر منــك .. عشان دي قلة ذوق مني

:\

بس هو إنت ممكن تعتبر ضحكي ده من باب .. و كم فيكي يا مصر من مضحكات

و لكن ضحك كالبكااء

ponpona said...

أنا قرأت البوست أهو .. فين العسلية بقى :)

تكون محظوظا إذا تسببت في انتقالك من هذا البلد نهائيا بحادث سير في طريق العودة إلى البيت


بعد الشر عليك يا أحمد

تنتقل من البلد ماشي
بالطريقة دي !! .. بعد الشر عليك

أحمد الشمسي said...

تسنيم:
انتي الوحيدة كده اللي فهمتي من الثلاثة... البوست فعلا هدفه التقوقز الضاحك. اللهم إلا فقرة واحدة


بونبونة:
هنبعتها ديليفري
على فكرة الكلام في النقطة دي تحديدا مش عليا انا ككاتب للتدوينة
الكلام على الظلم الواقع قعلا على الأطباء في البلد
المبهج اللي انا ما قلتوش
انهم بيتصرفوا
وبيعيشوا كويس رغم الظلم ده
:)

أسما said...

امممممممم.... اممممممممممممم.... اممممممممممممممممممممممممم

هو صحيح تقوقز ضاحك( عادتك و لا هتشتريها؟) بس انا واقفة في زوري حتة قوقزاية نونو لازمن تطلع، انا كنت مخلياها لمناسبة عزيزة عليا، بس عشان خاطرك هاطلعا... قاللك المثل الوحيد اللي ينطبقي علي المحروسة ام العيال( ام الدنيا سابقا) هو " خش الزريبة نقّيلك كلب، الابيض نجس، و الاسود انجس" يعني من اولا العيال اللي ما رضيوش يتبرعوا لابوهم بالدم مرورا بالحيوان اللي مسنتي الولد و حتي اعلي الدرجات و المناصب في البلد كلهم عجينة واحدة و سيستم واحد و انا مش المفروض حد يفتحني لاحسن اكتبلك بوست في الكومنتات عندك هنا
ملحوظة نونو علي جنب كدة... موضوع " الطاقة" ده شغال عندنا في الجامعة برده... الظاهر شعب مصر كله طاقته نفدت، و عجبي

أسما said...
This comment has been removed by the author.
محمد عبد الغفار said...

عرض شيق ممتع استطعت به إنتزاع الأبتسامه من رحم الألم وجعلنى احزن لأنتهاء التدوينه ، وكله تمام ومظبوط وعندك حق فيه إلا ظنك أنك تتعب هنا كما لا يتعب أي موظف في أي مكان آخر

أحمد الشمسي said...

أستاذ محمد
حمدا لله على السلامة
هذه المدونة وصاحبها افتقداك كثيرا
قد يكون معك حق
علي أن أراجع اعتقادي هذا
لا تغب كثرا عن هذا المكان

عمرو said...

أحمد
بزمتك انت بتدفع آلاف الجنيهات في الماجستير؟ يعني أسيح؟ أقول؟ أتكلم؟ طيب عشان الطيب أحسن أنا هاسكت
انت عارف إني طول عمري طيب
:)

بقية التعليق هاتلاقيه عندك على الميل
:)

أحمد الشمسي said...

أسماء:
انتي واضح انك اتغظتي فعلا
:D
بس الصراحة هو ده التعليق اللي ينفع يتقال لبوست متقوقز زي ده


عموور:
كان يوم اسود يوم ما قلت لك ع اللي فيها
طيب بذمتك حد يلاقي دلع وما يتدلعش؟
وبعدين مش هم السبب؟ يشربوا بقى
:)

تــسنيـم said...

طب انا عايزة اعرف اللي فيها انا كمان بقاااا

اشمعنى عمرو يعني

:((((((((((((((

عمرو said...

تسنيم
مع إن الشمسي صاحبي وحبيبي وكفاءة إلا إني مادي واحنا عيلة بتبيع أعضاءها أساسا عشان تحسن مستواها ههههههههه فلو انتي عاوزة تعرفي حوليلي اتنين جنيه رصيد وأنا أقولك
D:

nor said...

فيها لخفيها ,,!!
كل دي فلوس عشان محدش يقر..؟؟ طب يريت تفتكروني وإلا لساني هيبعبع كده ويبان المستوووووور

تــسنيـم said...

@ عمرو

و أضمن منين إني بعد ما أحول الرصيد

ما تبعتليش بيه رسايل فيها وش بيطلع لسانه و تقولي فيها ضحكت عليكي

هع هع هع

Unknown said...

تعرف اوحش حاجة فى شغلانة الدكترة هى انك مينفعش تبيع القضية -زيي-وتشتغل حاجة تانية

أحمد الشمسي said...

تسنيم وعمرو ونور:
هذه المدونة الإلكترونية ليست للشاتينج
الشاتينج هناك في فيسبوك

أحمد الشمسي said...

إنجي:
مين قال لك انه ما ينفعش؟
طيب ده فيه أمثلة كبيرة وكتيرة على تكبير الأطباء لدماغهم من الطب خالص، بس دس محتاجة:

1- استعداد للتضحية بسبع سنين دراسة
2- استعداد للمغامرة على أساس انه في اسوأ الحالات الطب يوفر مستوى معقول للمعيشة ووظيفة ثابتة
3- كراهية فظيعة للطب لدرجة تستحيل معها الحياة
4- واحد غيري عنده كل اللي فات ده
:)

تــسنيـم said...

يعني طلعنا غلطانين عشان بنجيب في سيرتك قدامك!!!!

تصدق ..أنا هشحن و أحول رصيد لعمرو فعلا و أجي أحط اللي قالهولي هنا في كومنت عقابا ليك

:P

سقراط said...

زي العسل يا شمسي
والله ضحكت بجد
اهو ده بقي اللي بيقولوا عليه الكوميديا السودا
او بالاحري
المستشفي السودا
دمت بكل خير
ودمت طبيب أيضا

bishoyheneen said...

حول neurosurgery

محمد عمر said...

انا بالرغم من متابعتي الدايمه للمدونه ما كنتش بكتب تعليق يمكن عشان حاسس ان التعليقات لذوي المدونات لكن اللي خلاني اعلق قصه الست اللي كانت بتولد لاني كنت فاكر ان انا بس اللي فاكر قصتها لكن احمد كمان فاكرها وطلع عيط زيي عشانها
اما بقي حكايه التبرع بالدم دي فانا اقولك حل ظرثف يا شمسي اول ما حد يقولك مش هنقدر نتبرع (معظم الدكاتره ما بيصدقوا عشان ينتقموا من المرافقين ويتعصبوا عليهم) لكن انا اقولك ع فكره ظريف انت يا سيدي ببرود شديد قولهم طيب يا اخونا مش مشكله بس البقاء لله طبعا اعملوا حسابكو انه في خلال ساعات الحاله ممكن تتوفي ويا ريت حد يمضي علي اقرار مسئوليته عن وفاتها هههههه
حاجه اخيره مين اللي كان بيفتن لك ويقولك ع الراجل اللي كان بيبوس ده ؟؟؟واضح كده ان من الاسلوب هوه حبيبي (م.ص)
ههههههههههههه

أحمد الشمسي said...

سقراط:
أهلا بيك
كويس اننا ضحكناك شوية

محمد عمر:
انت حبيبي من ايام الجيزة يا عمر، كلنا فاكرين حكاية الست دي، بس كل واحد فاكر نفسه هو بس اللي اتأثر :)

وعلى فكرة مش حبيبك م.ص خالص، ده حبيبك م.ث. ههههه

noon kiko said...

ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
يابنى دانت كرهتنى ف ام المستشفيات والدكاتره
هههههههههههههههههههه
بجد يا احمد اسلوبك ساخر جدا بس بستمتع جدا وانا بقراه
انت بجد تنفع ف الكتابات الساخره جداااااااااااااااا
سيبك بقا م الطب ووجع الدماغ

أسما said...

ummmmm... the exams are gone... u've no excuse not to write :D