منذ البداية فاجأتني نقطة البداية في المسلسل، بداية موفقة بشكل مذهل، لأنها بداية من حيث الذروة، ذروة الصراع بين الأمن وطلبة الإخوان في جامعة عين شمس وما تلاها من عرض عسكري لاستعراض القوة في جامعة الأزهر.
هذه البداية تضع المؤلف في ورطة، وهو هنا وحيد حامد، الذي لا بد يحتفظ بمخرج ما. الورطة هي أن تحافظ على مستوى جيد من الجذب حتى لا تهوي بالمشاهد من أعلى نقطة في الحكي. هذه البداية كذلك أخبرتني أن العمل لن يكتفي برصد التاريخ، بل سيتعدى ذلك لبيان أثره في الواقع المعاصر.
(وحيد حامد) كتب السيناريو بشكل مدهش، الإيقاع سريع ومتلاحق، والمشاهد مكثفة بحيث تؤدي كل كلمة وظيفة معروفة لدى المؤلف، وحيث لا مكان للمط والتطويل.
من الواضح كذلك أن مجهودا كبيرا بذله في الكتابة، من مجرد قراءة أسماء المراجع في لوحات النهاية، وهي في ظني المرة الأولى التي تكتب فيها أسماء المراجع في مسلسل تاريخي.
لكننا – مع ذلك – نلمس بعض الاستسهال. (حامد) لا يزال أسير فكرته عن الجماعات الإسلامية التي تحصرهم في شكل تقليدي يتكلمون فيه الفصحى المقعرة، وهذا يبدو غريبا بعض الشيء، بالذات إذا كنا نتكلم عن جماعة الإخوان التي نلتقي بها يوميا في الشارع!
ورغم بعض النقد المباشر لأداء الحكومات السابقة والحالية فإن الحلقات الأولى كانت مجاملة لضباط أمن الدولة بشكل مضحك ومستفز في آن. وفي رأيي أن هذا كان خطأ كبيرا، ليس فقط لأنه مخالف للواقع، بل لأنه سيفقد المؤلف مصداقيته مبكرا قبل حتى أن يخوض في التاريخ.
أمر أخير لم أفهمه. إذا كنت ستتكلم عن شخصية حالية تعيش وتتحرك بيننا، فاذكرها بصراحة ما دمت تملك الشجاعة لفعل ذلك، وما دمت تلتزم بالوقائع. أما أن تأتي بشخص يشبه (مهدي عاكف) تماما ثم تقول في لوحات النهاية إنه: “سامي مغاوري في دور (الكبير)” فإن هذا يعني ضمنيا أنك تتشطر على “المرحوم” (حسن البنا) وتجبن عندما يتعلق الأمر بالشخصيات الحية.
كذلك لم أسترح لبعض النقد الموجه للدعاة الجدد، على الأقل لأن هذا يخرج المسلسل عن مساره في نقد الإسلام السياسي، ويجعل صدره مكشوفا لحملات الهجوم التي ستقول إنه ضد الإسلام نفسه. ثم… مرة أخرى لا تأت بشخص يشبه (عمرو خالد) تماما ثم تقول إنه (عاطف عمّار).
باستثناء ما سبق، يبقى سيناريو (وحيد حامد) متماسكا وقويا ومكثفا وموحيا ومشحونا بالدلالات بشكل يجعله نصا أدبيا رفيعا.
على مستوى الصورة، نجح (محمد ياسين) في تقديم لوحات ممتعة بصريا، واعتمد تقنية التصوير بكاميرا ديجيتال وحيدة، وهي التقنية التي استخدمها السوريون قبلنا، فخرجت المشاهد سينمائية تماما. (عشقت بشكل خاص تلك المشاهد التي يتمشى فيها (حسن البنا) على شاطئ الإسماعيلية أو يقود بمحاذاتها دراجته في وقت الغروب، فهي تبدو كما لو كانت لوحات فوتوغرافية قائمة بذاتها). كاميرا (محمد ياسين) ليست كادرات ثابتة تستخدم الزوم القبيح الذي تعودناه في المسلسلات المصرية، وإنما هي كاميرا تتحرك بسلاسة، لتقدم إيحاءات مهمة تكمل السيناريو وتؤيده.
اختيار الممثلين كان موفقا للغاية. (إياد نصار) ممثل بارع جدا. يمثل بكامل وجهه، وبيديه التي يلتقط لها (محمد ياسين) لقطات مهمة، وبعينه وحاجبه وبنبرة صوته. (صلاح عبد الله) يبدو طبيعيا جدا هنا كما لم أره من قبل، و(حسن الرداد) في أفضل حالاته.
موسيقى (عمر خيرت) ستعيش طويلا بعد المسلسل. موسيقى تمتلئ بالشجن بنفس قدر احتوائها على التوتر والترقب.
واضج جدا أنني منبهر بالمستوى الفني للعمل، وعلاوة على هذا فإني أرى فيه انتصارات شخصية لي:
أولا: في اختيار الأردني (إياد نصار)، الذي قلت من قبل إنه ممثل محترم استعانت به سوريا في عمل تاريخي عظيم هو (الأمين والمأمون). وتمنيت أن أراه في عمل مصري يثبت أننا في طريقنا للتخلي عن شوفينيتنا المفرطة.
ثانيا: تقنية التصوير السينمائية، أو هل أقول السورية؟، التي أشرت لها أيضا من قبل وقلت إنها تجعل اللقطة وحدة العمل بدلا من ترهل المشاهد التقليدي عندنا.
ثالثا: جملة طالب الطب في المسلسل التي يقول فيها: “ما فيش حاجة اسمها الطب مهنة إنسانية، كل المهن إنسانية، التدريس مثلا مهنة إنسانية!” وهو مبدأ كررناه كثيرا في هذه المدونة: هنا و هنا.
5 تعليقات:
اهه وصلة الجخ والمدح الذاتي اشتغلت قلنا ياناس بلاش تدولوا المكرفون.....
مش هتكلم
هههههه
أضحك الله سنك يا نور
اولا كل سنة و انت طيب
:)
ثاينا... انا مش باتابع اي مسلسلات في رمضان، بس شفت بعض حلقات من مسلسل الجماعة و استفزتني الاخطاء اللي انت ذكرتها ف للأسف ما دورتش علي نقاط القوة فيه... ما جاليش خلق الصراحة، و انت عارف خلقي ضيق اد ايه... خصوصا و اني ما شفتش اول حلقة فما اتشدتش من الاول و المسلسل فقد مصداقيته عندي من اول ما شفت ظابط امن الدولة "الوديييييع" قطشيعة... انا بالوك لوك كتير ليه،ها؟ ده حتي الدنيا صيام...
بس انت عندك حق ف موضوع التصوير، ده شئ لفت نظري فعلا... و عجبني
انطباعي عن المسلسل ككل مش ايجابي اوي، اصله مفقوس اوي و موجّه بشكل ينقط... بس اكيد لو اتعاد بعد رمضان هاتابعه... عايزة صورتي عنه تكمل
و السلام ختام
زمانك بتقول الحمد لله انها خلصت رغي... خلاص ما تزقش هامشي اهو
:)
أرى أن الجماعة لا تختلف كثيراً عن أوان الورد. كلاهما جيد لأن الكاتب بارع. وكلاهما به مشكلة و هي الكتابة لغرض. و هو مطب يقع فيه الكثيرون. الكتابة كانت ولا زالت وحي و هو سر روعتها. وتختلف درجة الإبداع حسب الفكرة/الوحي. وصياغة الكاتب و مهارته. هنا سقط الوحي فأصبح الأمر صياغة ومهارة كتابية. الكاتب يريد أن يلخص كل المراجع من خلال رأيه الشخصي في مسلسل يصبح مرجع بذاته ضد الجماعة.تكاد تشعر بالكراهية تشع من المسلسل ضد الجماعة مدعمة بالمراجع ومذكرات الإمام ذاته. و هو رفض مطلق لا يتناسب إلا مع شيطان. وحده الشيطان شر مطلق. كان يجب الحديث بحيادية عن الإخوان دون إبراز حدث دون آخر أو التلويح بأراء الكاتب على لسان شيخ أو مستشار.
دون إطالة كان يجب على وحيد حامد الرجوع إلى نجيب محفوظ الليبرالي المثالي وهو يكتب عن الإخوان. فمحفوظ كان حيادياً بل ومتقمصاً آراء الإخوان و هو يكتب عنهم في السكرية والتنظيم السري والباقي من الزمن ساعة.
ممممممممممم
على حظك الخضيري كاتب انهاردة .. أحـسن منـك :P
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=270222&IssueID=1898
تحياااتي أيهـا الجميـــل :)
Post a Comment