أميل إلى اعتبار الازدواجية خاصية عربية. من الصعب هنا أن تعرف رأي الناس في قضية ما من خلال تصرفاتهم، وهذا ينطبق بشدة على المصريين.
اسأل أحدهم في جمع من الناس عن رأيه في التبرع بالدم مثلا. ستسمع محاضرات عن أهمية التبرع بالدم وعن ثوابه إلى درجة البكاء من التأثر. لكن خذ أحدهم “على جنب” واطلب منه التبرع، ستفاجأ بإنسان مختلف. الناس شطار جدا نظريا، لكنهم عمليا لا يجدون الدم في الحوادث الخطيرة لأنه لا أحد يتبرع بدمه في الواقع.
المنطقة العربية كلها تتشدق على خلق الله جميعا بأنها أرض العفة والحجاب والطهارة و… و… و…، ونتلكأ عادة في تطبيق الكثير من المعايير الدولية بسبب “الخصوصية العربية” و”التقاليد الشرقية”، ثم تأتي التصرفات في اتجاه آخر تماما حين ننظر إلى معدلات جرائم الاغتصاب وجرائم الشرف وزنا المحارم وحتى معدلات البحث عن المواد الإباحية على الإنترنت.
أذكر أنني كنت أشاهد برنامجا تلفزيونيا يجري حوارا عن أفلام السينما الهابطة مع جمهور خرج لتوه من السينما، وكانت الآراء تعبر عن منتهى التقزز من هذه الأفلام، إلى درجة أن أحدهم أخذته الجلالة وطالب بإعدام من يفسدون الذوق المصري. هذا البرنامج تركني في حيرة شديدة، وكنت أسأل: “طيب اللمبي لم الملايين دي كلها منين يا ولاد الـ….؟”.
وفي نفس السياق، الجمهور العربي قد يتزاحم بشدة لرؤية نجمته المفضلة، ويتدافع لمشاهدة فيلمها الجديد ويتقاتل عند شباك التذاكر، لكنك حين تأخذ أحدهم “على جنب” سيفاجئك بأنه لا يرى في هذه النجمة سوى “لا مؤاخذة”، بل وأنه لا يرى في الفن كله إلا فعلا “حراما” ليس له أي تقدير.
هذه اللخبطة العبثية، الخلطة الموجودة في دماغ سكان هذه المنطقة، والتي تجعلهم يعتقدون في الشيء ويتصرفون بعكسه، سمة أساسية لازمة.
لذلك لم أستغرب كثيرا تصريحات (عادل إمام) الأخيرة. هي تنطلق عندي من نفس الفكرة. صحيح أنني كنت قد أوشكت على التصديق بأن الرجل يتصرف من وحي قناعاته، لكنه ظهر في النهاية كفرد أصيل من سكان مصر.
الرجل الذي يوصف عادة بـ: “النجم الكبير” وبـ “الزعيم”، سئل عما إذا كان سيسمح لبنته باقتحام مجال السينما، فقال: “ما عندناش ستات تشتغل في الفن”!
الغريب أن الدنيا قامت ولم تقعد حين قالها الرجل. مقالات وأعمدة وحوارات عن التصريح، والجميع اتفق على رأي واحد: “(عادل إمام) يقول عكس ما يفعل!”، وهل يفعل جميعنا شيئا غير هذا؟
الذهول بلغ بالبعض اعتبار تصريحاته قد “حرفت” أو تم لويها في المطبعة! ربما لهذا سارعت مجلة (زهرة الخليج) بالتقائه وسألته عن تصريحه وعما إذا كان سيتراجع عنه.
“انا رجل صريح ولا اخشى في كلامي سوى الله سبحانه وتعالى، وما اقوله يكون دائما قناعة شخصية، كما انني رجل شرقي ومن الطبقة المتوسطة، التي ستظل هي رمانة الميزان، لذلك اؤكد من جديد عبر «زهرة الخليج» انني لم اتراجع في كلامي، بل انني حقيقة لم اكن سأسمح لابنتي بأن يقبلها احد، او ان تعمل في الفن وتربّت على ذلك ولم تفكر في العمل الفني في الاساس والرجل المصري الاصيل، او المسلم الحقيقي لا بد ان يغار على عرضه ولا يسمح بأن تنتهك حرمة زوجته او ابنته او اخته”.
طبعا بعد هذا الحوار، انطلقت المقالات تهزأ بالفنان الـ”كبير”، وتنتقده، لكن أيا من هذه المقالات لم يقل ما كان سيقوله أي مواطن عادي يمشي في الشارع: “وحياة أمك؟”.
يا الله! إنه يكشف هنا عن معلومات جديدة تنشر لأول مرة، بعد كل هذا العمر اتضح أن (عادل إمام):
1- يخشى الله سبحانه وتعالى.
2- رجل شرقي من الطبقة المتوسطة.
3- يعتقد أن السينما هي المكان الذي يقوم فيه الممثل بتقبيل الممثلة.
4- يعتبر نفسه “مسلما حقيقيا”، ويغار على عرضه.
بالنسبة لي، هي أعراض ازدواجية متقدمة، الرجل الذي قضى عمره الفني يقبل الممثلات، بل ويضربهن على مؤخراتهن كلما سمحت الفرصة و”السيناريو”، ينأى بنفسه عن السماح لابنته بالعمل في الفن. الرجل الذي ظهر في أفلامه كلها يسخر من رجال الدين، ويحتفي بالخمر، يرتدي زي الواعظ في آخر أيام حياته.
(عادل إمام) يكشف هنا، ليس عن رأيه فقط في زميلاته الفنانات، بل هو يكشف عن رأيه في الفن ككل. اتضح بعد كل هذا العمر وبعد الزيطة والزنبليطة، أن الرجل يشتغل في السينما لأنها مجرد سبوبة، ولا يرى فيها قيما ولا ورسالة ولا صناعة ولا… ولا….
مشكلتي هنا ليست مع تحديد موقفي من قضية التقبيل، أو غيره من انحرافات شخصيات الأفلام، فأنا مؤمن بحرية التعبير لأقصى درجة، ومؤمن بأن الممثل لا يحاسب على تأديته لدور منحرف، لكنني – بالتأكيد – ضد الازدواجية، ضد الخداع والتدليس، وضد النفاق الذي يظهر – فيما يبدو – بعد سن السبعين.
11 تعليقات:
تفتكر ممكن السبب يكون وجود نقص أو خلل ما جوا شخصية الإزدواجي
نقص يجعله أميل للمثالية فيتحدث كثيرا عنها
وخلل يعجزة عن مطابقة أفعاله بأقواله
كل النساء ساقطات الا امى واختى وزوجتى
(وش بيبتسم ابتسامة واهنة)
و بيقوللك-في ظل كل اللي احنا بنشوفه كل يوم- لا تعليق، و أدعو الله ان يأتي اليوم الذي افقد فيه قدرتي علي
الاندهاااااش
بس بما انها خاصية عربية، او مصرية اصيلة، تفتكر اللي زيي و زيك و زي الناس الحلوين اللي بييجوا هنا عندهم اد ايه من الازدواجية دي... ما هو احنا مش خواجات، اكيد عندنا، بس الواحد لازم يظبط نفسه متلبس بقول او فعل ازدواجي... و الله اعلم
متابعة " ليس نفيا لوكن أحتراماًً..!!"
رغم اعتراضي الشديد...
لأنها ببساطة أحد أشكال الإزدواجية من المستشهد بها
بونبونة:
السبب هو محيط يبحث عن المثالية ويطالبك بها. ربما.
أستاذ محمد:
لسان حاله يقول ذلك فعلا
إيزولد:
احنا فعلا مش خواجات
احنا مصريين مزدوجين كأحسن ما يكون
وانا ما نفتش ده عننا
بس الوعي بالنقائص هو أول الطريق للتخلص منها
اخيرا يااحمد عثرت علي التعليقات
انت تسير عكس الناس كلها
الكل يضع التعقيبات اسفل النص وانت تضعه اعلاه !!! ربما انت اكثر مشاكسه من معظمهم وربما تري الاشياء بطريقه مختلفه .... اعجبتني مدونتك واعجبني هذا النص ، الناس تقول شيء وتفعل شيء اخر بلا غضاضه بلا تأنيب ضمير ، ولو احسوا بهذا التناقض وغيروا انفسهم لصارت الدنيا اكثر وضوحوا وغالبا اكثر امانا ، لكنهم يعيشوا تناقضاتهم ببساطه وسهوله كانها جزء من وجودهم ذاته ، لاحياه بلا تناقض !!!! ا
اما بقي عن موضوع عادل امام
فالحقيقه ان من كان يتصور منه غير ماقاله ، لساذج ياصديقي ، انه رجل ابن الطبقه المتوسطه المصريه ، ابن مخلص لها ولافكارها ، والطبقه المتوسطه المصريه تدعي اشياء كثير وتعيشها لكن وقت الجد والمواقف تظهر اشياء اخري ، واهما الموقف من المرأه ، واكم من رجل قال احترم الصداقه مع النساء و.. و... و ثم حين تساله عن زوجته او ابنته ينتفض غاضبا كان سؤالك هتك سره وكشف عوراته ، هو صديق النساء الاخري ولا يسمح للاخرين بالصداقه مع نساءه ، انها الازدواجيه المفهومه !!! عادل امام ممثل بيحب التمثيل وبرع فيه ونجح ، لكن من قال ان هذا يعني انه يحترم النساء للدرجه التي يثق فيها بمواهبهن وابداعهن !!!!
صباحك جميل يااحمد
الازدواجيه مذهبا = فيلم كباريه
محمد عمر
بخصوص عادل امام انا رايي ان معظممممممممم الفنانين مش شايفين الفن انه رساله ولا يحزنون هوه بالنسبه لهم سبوبه او زي ما بيقولوا عليه (نحتايه)
محمد عمر
عمر حبيبي
أنا ما عنديش أي مشكلة في ده
المهم
ان الواحد منهم يكون متسق مع نفسه
وعارف انه بيشتغل عشان السبوبة وخلاص
لكن ما يقعدش عمره كله يصدعني انه بيعمل فن
وبعدين ييجي يقول عكس كده
مساءك فل
الحقيقه ان اللى بتتكلم عنه ده هو الشخصيه المصريه الاصيله...كلنا فينا حاله من التناقد غريبه وغير مفهومه واهم حاجه ان كل واحد مقتنع تماما بكل افعاله
وربنا يهدى
Post a Comment